الحق ، وسائر الأديان باطلة ، وبأن يدخل الذين آمنوا الجنة ويدخل غيرهم النار (يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) دخل في هذا من في السموات من الملائكة ، ومن في الأرض من الملائكة ، والجنّ ولم يدخل الناس في ذلك ؛ لأنه ذكرهم في آخر الآية ، إلا أن يكون ذكرهم في آخرها على وجه التجريد ، وليس المراد بالسجود هنا السجود المعروف ، لأنه لا يصح في حق الشمس والقمر وما ذكر بعدهما ، وإنما المراد به الانقياد ثم إن الانقياد يكون على وجهين : أحدهما الانقياد لطاعة الله طوعا ، والآخر الانقياد لما يجري الله على المخلوقات في أفعاله وتدبيره شاؤوا أو أبوا (وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) إن جعلنا السجود بمعنى الانقياد لطاعة الله ، فيكون كثير من الناس معطوفا على ما قبله من الأشياء التي تسجد ويكون قوله : وكثير حق عليه العذاب مستأنفا يراد به من لا ينقاد للطاعة ، ويوقف على قوله : وكثير من الناس ، وهذا القول هو الصحيح ؛ وإن جعلنا السجود بمعنى الانقياد لقضاء الله وتدبيره ؛ فلا يصح تفضيل الناس على ذلك إلى من يسجد ومن لا يسجد لأن جميعهم يسجد بذلك المعنى ، وقيل : إن قوله : وكثير من الناس معطوف على ما قبله ثم عطف عليه وكثير حق عليه العذاب فالجميع على هذا يسجد وهذا ضعيف لأن قوله : حق عليه العذاب يقتضي ظاهره أنه إنما حق عليه العذاب بتركه للسجود ، وتأوله الزمخشري على هذا المعنى ، بأن إعراب كثير من الناس فاعل بفعل مضمر تقديره يسجد سجود طاعة أو مرفوع بالابتداء وخبره محذوف تقديره مثاب وهذا تكلف بعيد.
(هذانِ خَصْمانِ) الإشارة إلى المؤمنين والكفار على العموم ، ويدل على ذلك ما ذكر قبلها من اختلاف الناس في أديانهم ، وهو قول ابن عباس ، وقيل : نزلت في على ابن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث حين برزوا يوم بدر لعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، والوليد بن عتبة ، فالآية على هذا مدنية إلى تمام ست آيات ، والخصم يقع على الواحد والاثنين والجماعة ، والمراد به هنا الجماعة ؛ والإشارة بهذان إلى الفريقين (اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) أي في دينه وفي صفاته ، والضمير في اختصموا لجماعة الفريقين (فَالَّذِينَ كَفَرُوا) الآية : حكم بين الفريقين ، بأن جعل للكفار النار وللمؤمنين الجنة المذكورة بعد هذا (قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ) أي فصلت على قدر أجسادهم ، وهو مستعار من تفصيل الثياب (الْحَمِيمُ) الماء الحارّ (يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ) أي يذاب ، وذلك أن الحميم إذا صب على رؤوسهم وصل حره إلى بطونهم ، فأذاب ما فيها ، وقيل : معنى يصهر ينضج (مَقامِعُ) جمع مقمعة أي مقرعة (مِنْ حَدِيدٍ) يضربون بها ، وقيل : هي