وبغير حرف جر كقوله (أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) وهذه الجملة في موضع الحال من الضمير في قوله : لا تتخذوا أو في موضع الصفة لأولياء أو استئناف (وَقَدْ كَفَرُوا) حال من الضمير في لا تتخذوا أو في تلقون (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ) أي يخرجون الرسول ويخرجونكم : يعني إخراجهم من مكة ، فإنهم ضيقوا عليهم وآذوهم حتى خرجوا منها مهاجرين إلى المدينة ، ومنهم من خرج إلى أرض الحبشة (أَنْ تُؤْمِنُوا) مفعول من أجله أي يخرجونكم من أجل إيمانكم (إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي) جواب هذا الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه وهو : لا تتخذوا ، والتقدير إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي فلا تتخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء ، وجهادا مصدر في موضع الحال أو مفعول من أجله وكذلك ابتغاء (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ) معناه إن يظفروا بكم (وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) أي تمنوا أن تكفروا فتكونون مثلهم ، قال الزمخشري : وإنما قال : ودّوا بلفظ الماضي بعد أن ذكر جواب الشرط بلفظ المضارع لأنهم أرادوا كفركم قبل كل شيء (لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ) إشارة إلى ما قصد حاطب من رعي قرابته (يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) (١) يحتمل أن يكون من الفصل بالحكم بينهم أو من الفصل بمعنى التفريق ، أي يفرق بينكم وبين قرابتكم يوم القيامة ، وقيل : إن العامل في يوم القيامة ما قبله وذلك بعيد.
(قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ) الأسوة هو الذي يقتدى به ، فأمر الله المسلمين أن يقتدوا بإبراهيم الخليل عليهالسلام وبالذين معه في عداوة الكفار والتبري منهم ، ومعنى : والذين معه من آمن به من الناس ، وقيل : الأنبياء الذين كانوا في عصره وقريبا من عصره ، ورجح ابن عطية هذا القول بما ورد في الحديث أن إبراهيم عليهالسلام قال لزوجته : ما على الأرض مؤمن بالله غيري وغيرك (بَراءٌ) جمع بريء (كَفَرْنا بِكُمْ) أي كذبناكم في أقوالكم ، ويحتمل أن يكون عبارة عن إفراط البغض والمقاطعة لهم (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) هذا استثناء من قوله أسوة حسنة ، فالمعنى اقتدوا بهم في عداوتهم للكفار ، ولا تقتدوا بهم في هذا ، لأن إبراهيم وعد أباه أن يستغفر له ، فلما
__________________
(١). قوله : يفصل بينكم : قرأها عاصم : يفصل بينكم وقرأها نافع وابن كثير وأبو عمرو : يفصل. وقرأ حمزة والكسائي : يفصّل بالتشديد والكسر ، وقرأ ابن عامر : يفصّل بالتشديد والفتح.