لتعلموا صدق إيمانهن ، وإنما سماهن مؤمنات لظاهر حالهن ، وقد اختلف في هذا الامتحان على ثلاثة أقوال : أحدها أن تستحلف المرأة أنها ما هاجرت لبغضها في زوجها ، ولا لخوف وغير ذلك من أعراض الدنيا سوى حب الله ورسوله والدار الآخرة ، والثاني أن يعرض عليها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ، والثالث أن تعرض عليها الشروط المذكورة بعد هذا من ترك الإشراك والسرقة ، وقتل أولادهن وترك الزنا والبهتان ، والعصيان ، فإذا أقرت بذلك فهو امتحانها قالته عائشة رضي الله تعالى عنها (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) نزلت هذه الآية أثر صلح الحديبية ، وكان ذلك الصلح قد تضمن أن يردّ المسلمون إلى الكفار كل من جاءهم مسلما من الرجال والنساء ، فنسخ الله أمر النساء بهذه الآية ، ومنع من رد المؤمنة إلى الكفار إذا هاجرت إلى المسلمين ، وكانت المرأة التي هاجرت حينئذ أميمة بنت بشر امرأة حسان بن الدحداحة ، وقيل : سبيعة الأسلمية ، ولما هاجرت جاء زوجها فقال يا محمد ردها علينا ، فإن ذلك في الشرط الذي لنا عليك فنزلت الآية : فامتحنها رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلم يردها ، وأعطى مهرها لزوجها ، وقيل : نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ، هربت من زوجها إلى المسلمين ، واختلف في الرجال هل حكمهم في ذلك كالنساء فلا تجوز المهادنة على ردّ من أسلم منهم ، أو يجوز حتى الآن على قولين : والأظهر الجواز لأنه إنما نسخ ذلك في النساء (لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ) هذا تعليل للمنع من ردّ المرأة إلى الكفار ، وفيه دليل على ارتفاع النكاح بين المشركين والمسلمات.
(وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا) يعني أعطوا الكفار ما أعطوا نساءهم من الصدقات إذا هاجرن ، ثم أباح للمسلمين تزوجهن بالصداق (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) (١) العصم جمع عصمة أي النكاح ، فأمر الله المسلمين أن يفارقوا نساءهم الكوافر ، يعني المشركات من عبدة الأوثان ، فالآية على هذا محكمة ، وقيل : يعني كل كافرة. فعلى هذا نسخ منها جواز تزوج الكتابيات لقوله : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) [المائدة : ٥] ، وروي أن الآية نزلت في امرأة لعمر بن الخطاب كانت كافرة فطلقها (وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا) أي اطلبوا من الكفار ما أنفقتم من الصدقات على أزواجكم ، اللاتي فررن إلى الكفار وليطلب الكفار منكم ما أنفقوا على أزواجهم ، اللاتي هاجرن إلى المسلمين (وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا)
__________________
(١). قوله تمسكوا. قرأ أبو عمرو : تمسّكوا بالتشديد والباقون : بالتخفيف.