معنى فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار : هروب نساء المسلمين إلى الكفار ، والخطاب في قوله (فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ) للمسلمين وقوله : عاقبتم ليس من العقاب على الذنب ، وإنما هو من العقبى أي أصبتم عقبى ، وهي الغنيمة أو من التعاقب على الشيء ، كما يتعاقب الرجلان على الدابة إذا ركبها هذا مرة وهذا مرة أخرى ، فلما كان بعض نساء المسلمين يهربون إلى الكفار وبعض نساء الكفار يهربون إلى المسلمين جعل ذلك كالتعاقب على النساء ، وسبب الآية أنه لما قال الله : واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا : قال الكفار : لا نرضى بهذا الحكم ، ولا نعطي صداق من هربت زوجته إلينا من المسلمين ، فأنزل الله هذه الآية الأخرى وأمر الله المسلمين أن يدفعوا الصداق لمن هربت زوجته إلينا من المسلمين إلى الكفار (١) ، ويكون هذا المدفوع من مال الغنائم على قول من قال : إن معنى فعاقبتم غنمتم ، وقيل : من مال الفيء ، وقيل : من الصدقات التي كانت تدفع للكفار إذا فر أزواجهم إلى المسلمين فأزال الله دفعها إليهم حين لم يرضوا حكمه.
وهذه الأحكام التي تضمنتها هذه الآية ، قد ارتفعت [أي لا يعمل بها] لأنها نزلت في قضايا معينة ، وهي مهادنة النبي صلىاللهعليهوسلم مع مشركي العرب ثم زالت هذه الأحكام بارتفاع الهدنة فلا تجوز مهادنة المشركين من العرب ، إنما هو في حقهم الإسلام أو السيف ، وإنما تجوز مهادنة أهل الكتاب والمجوس لأن الله قال في المشركين : اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ، وقال في أهل الكتاب : حتى يعطوا الجزية ، وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : في المجوس : سنّوا بهم سنة أهل الكتاب (٢).
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ) هذه البيعة بيعة النساء في ثاني يوم الفتح على جبل الصفا ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يبايعهن بالكلام ، ولا تمس يده يد امرأة ورد هذا في الحديث الصحيح عن عائشة (وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ) معناه عند الجمهور أن تنسب المرأة إلى زوجها ولدا ليس له ، واختار ابن عطية أن يكون البهتان هنا على العموم ، بأن ينسب للرجل غير ولده ، أو تفتري على أحد بالقول ، أو تكذب فيما ائتمنها الله عليه من الحيض والحمل وغير ذلك ، (وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ) أي لا يعصينك فيما جاءت به الشريعة من الأوامر والنواهي ، ومن ذلك النهي عن النياحة وشق الجيوب ، ووصل الشعر وغير ذلك مما كان
__________________
(١). تبدو العبارة مضطربة وصوابها : أمر الله المسلمين بدفع الصداق للزوج المسلم الذي هربت زوجته إلى الكفار. والله أعلم.
(٢). أي عاملوهم كأهل الكتاب ما عدا أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم والحديث رواه مالك بن أنس في الموطأ عن عبد الرحمن بن عوف ج أول ص ٢٧٨.