(يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ) (١) العامل في يوم لتنبؤن أو محذوف تقديره اذكر ، ويحتمل أن يكون مبتدأ وخبره ذلك يوم التغابن يعني ، يوم القيامة. والتغابن مستعار من تغابن الناس في التجارة ، وذلك إذا فاز السعداء بالجنة ، فكأنهم غبنوا الأشقياء في منازلهم التي كانوا ينزلون منها لو كانوا سعداء ، فالتغابن على هذا بمعنى الغبن ، وليس على المتعارف في صيغة تفاعل من كونه بين اثنين ، كقولك تضارب وتقاتل إنما هي فعل واحد كقولك : تواضع قال ابن عطية والزمخشري : يعني نزول السعداء منازل الأشقياء ونزول الأشقياء منازل السعداء ، والتغابن على هذا بين اثنين قال : وفيه تهكم بالأشقياء ، لأن نزولهم في جهنم ليس في الحقيقة بغبن للسعداء (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) يحتمل أن يريد بالمصيبة الرزايا ، وخصها بالذكر لأنها أهم على الناس. أو يريد جميع الحوادث من خير أو شر وبإذن الله عبارة عن قضائه وإرادته تعالى (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) قيل : معناه من يؤمن بأن كل شيء بإذن الله يهد الله قلبه للتسليم والرضا بقضاء الله ، وهذا أحسن إلا أن العموم أحسن منه.
(إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) سببها أن قوما أسلموا وأرادوا الهجرة ، فثبطهم أزواجهم وأولادهم عن الهجرة ، فحذرهم الله من طاعتهم في ذلك. وقيل : نزلت في عوف بن مالك الأشجعي ، وذلك أنه أراد الجهاد فاجتمع أهله وأولاده فشكوا من فراقه ، فرقّ لهم ورجع. ثم إنه ندم وهمّ بمعاقبتهم ، فنزلت الآية محذرة من فتنة الأولاد ، ثم صرف الله تعالى عن معاقبتهم بقوله : وإن تعفوا وتصفحوا الآية ، ولفظ الآية مع ذلك على عمومه في التحذير ممن يكون للإنسان عدوا من أهله وأولاده ، سواء كانت عداوتهم بسبب الدين أو الدنيا (وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) ترغيب في الآخرة وتزهيد في الأموال والأولاد ، التي فتن الناس بها (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) قيل : إن هذا ناسخ لقوله :
__________________
(١). بقية الآية : يعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله : قرأ نافع وابن عامر : نكفر بالنون وندخله وقرأ الباقون بالياء في كلا الكلمتين.