جرى منهما في قصة تحريم الجارية أو العسل. ومعنى صغت أي : مالت عن الصواب وقرأ ابن مسعود زاغت والمعنى : إن تتوبا إلى الله فقد صدر منكما ما يوجب التوبة (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ) (١) المعنى إن تعاونتما عليه صلىاللهعليهوسلم بما يسؤوه من إفراط الغيرة ، وإفشاء سره ونحو ذلك فإن له من ينصره ، ومولاه هنا يحتمل أن يكون بمعنى السيد الأعظم ، فيوقف على مولاه ويكون جبريل مبتدأ وظهير خبره وخبر ما عطف عليه ، ويحتمل أن يكون المولى هنا بمعنى الولي الناصر ، فيكون جبريل معطوف فيوصل مع ما قبله ، ويوقف على صالح المؤمنين ويكون الملائكة مبتدأ وظهير خبره ، وهذا أظهر وأرجح لوجهين : أحدهما أن معنى الناصر أليق بهذا الموضع ، فإن ذلك كرامة للنبي صلىاللهعليهوسلم وتشريفا له ، وأما إذا كان بمعنى السيد فذلك يشترك فيه النبي صلىاللهعليهوسلم مع غيره ، لأن الله تعالى مولى جميع خلقه بهذا المعنى ، فليس في ذلك إظهار مزية له ، الوجه الثاني أنه ورد في الحديث الصحيح أنه لما وقع ذلك جاء عمر إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يا رسول الله ما يشق عليك من شأن النساء ؛ فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل معك وأبو بكر معك وأنا معك ، فنزلت الآية موافقة لقول عمر ، فقوله يقتضي معك النصرة (وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) اختلف في صالح هل هو مفرد أو جمع محذوف النون للإضافة؟ فعلى القول بأنه مفرد هو أبو بكر ، وقيل : علي بن أبي طالب ، وعلى القول بأنه جمع فهو على العموم في كل صالح.
(عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَ) (٢) الآية ، نصرة للنبي صلىاللهعليهوسلم ، وروي أن عمر قال ذلك ونزل القرآن بموافقته ، ولقد قال عمر حينئذ للنبي صلىاللهعليهوسلم : والله يا رسول الله لئن أمرتني بضرب عنق حفصة لضربت عنقها ، وقد ذكرنا معنى الإسلام والإيمان والقنوت ، والسائحات : معناه الصائمات قاله ابن عباس. وقد روي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقيل معناه مهاجرات وقيل ذاهبات إلى الله ، لأن أصل السياحة الذهاب في الأرض ، وقوله : ثيبات وأبكارا ، قال بعضهم : المراد بالأبكار هنا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون ؛ فإن الله يزوج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إياهما في الجنة وهذا يفتقر إلى نقل صحيح ، ودخلت الواو هنا للتقسيم. ولو سقطت لاختل المعنى لأن الثيوبة والبكارة لا يجتمعان ، وقال الكوفيون : هي واو الثمانية وذلك ضعيف (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) أي أطيعوا الله وأمروا أهلكم بطاعته ، لتقوا أنفسكم وأهليكم بطاعته من النار ، فعبر بالمسبب وهو وقاية
__________________
(١). قوله : تظاهرا عليه : قرأ حمزة والكسائي وعاصم : تظاهرا بدون تشديد وقرأ الباقون : تظّاهرا والأصل : تتظاهرا.
(٢). بقية الآية : أن يبدله. قرأها نافع وأبو عمرو : أن يبدّله. بتشديد الدال والباقون بالتخفيف.