(فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) الفطور الشقوق جمع فطر ، وهو الشق. وإرجاع البصر : ترديده في النظر ، ومعنى الآية : الأمر بالنظر إلى السماء فلا يرى فيها شقاق ولا خلل بل هي ملتئمة مستوية (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) أي انظر نظرا بعد نظر للتثبت والتحقق ، وقال الزمخشري : معنى التثنية في كرتين التكثير لا مرتين خاصة. كقولهم : لبيك فإن معناه إجابات كثيرة (يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) الخاسئ هو المبعد عن الشيء الذي طلبه ، والحسير هو الكليل الذي أدركه التعب ، فمعنى الآية أنك إذا نظرت إلى السماء مرة بعد مرة لترى فيها شقاقا أو خلالا رجع بصرك ولم تر شيئا من ذلك ؛ فكأنه خاسئ لأنه لم يحصل له ما طلب من رؤية الشقاق والخلل ، وهو مع ذلك كليل من شدة النظر وكثرة التأمل.
(وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) السماء الدنيا : هي القريبة منا ، والمصابيح يراد بها النجوم فإن كانت النجوم كلها في السماء الدنيا فلا إشكال ، لأنها ظاهرة فيها لنا ، ويحتمل أن يريد أنه زيّن السماء الدنيا بالنجوم التي فيها دون التي في غيرها. على أن القول بموضع الكواكب وفي أي سماء هي لم يرد في الشريعة (وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ) أي جعلنا منها رجوما ، لأن الكواكب الثابتة ليست ترجم الشياطين ، فهو كقولك : أكرمت بني فلان ؛ إذا أكرمت بعضهم ، والرجوم جمع رجم وهو مصدر سمي به ما يرجم به ، قال الزمخشري : معنى كون النجوم رجوما للشياطين : والشهب تنقض من النجوم لرجم الشياطين الذين يسترقون السمع من السماء ، فالشهب الراجمة منفصلة من نار الكواكب (١) ، لا أن الراجمة هي الكواكب أنفسها ؛ لأنها ثابتة في الفلك. قال قتادة : خلق الله النجوم لثلاثة أشياء زينة السماء ورجوم الشياطين ويهتدى بها في ظلمات البر والبحر (وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ) يعني للشياطين (سَمِعُوا لَها شَهِيقاً) الشهيق أقبح ما يكون من صوت الحمار ، ويعني به هنا ما يسمع من صوت جهنم لشدّة غليانها وهولها أو شهيق أهلها ، والأول أظهر (وَهِيَ تَفُورُ) أي تغلي بأهلها غليان القدر بما فيها (تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ) أي تكاد جهنم ينفصل بعضها من بعض لشدّة غيظها على الكفار ، فيحتمل أن تكون هي المغتاظة بنفسها ، ويحتمل أن يريد غيظ الزبانية والأول أظهر ؛ لأن حال الزبانية يذكر بعد هذا ، وغيظ النار يحتمل أن يكون حقيقة بإدراك يخلقه الله لها ، أو يكون عبارة عن شدتها (كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ) أي كلما ألقي في جهنم جماعة من الكفار سألتهم الزبانية هل جاءكم من نذير؟ أي رسول ، وهذا السؤال على وجه
__________________
(١). الشهب هي قطع صغيرة من حجارة أو معدن تلمع عند ما تصدم بالغلاف الجوي وتتناثر في الهواء والنيازك قطع كبيرة تصل إلى الأرض فتحدث فيها الحرائق أو الحفر العميقة. وهذا لا يعارض معنى الآية.