المعنى ، الرابع : أن الرجاء بمعنى الخوف ، والوقار بمعنى الاستقرار من قولك : وقر بالمكان إذا استقر فيه والمعنى : ما لكم لا تخافون الاستقرار في دار القرار إما في الجنة أو النار (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً) أي طورا بعد طور ، يعني أن الإنسان كان نطفة ثم علقة ثم مضغة إلى سائر أحواله ، وقيل : الأطوار الأنواع المختلفة ، فالمعنى أن الناس على أنواع في ألوانهم وأخلاقهم وألسنتهم وغير ذلك (طِباقاً) ذكر في الملك [٣] (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً) القمر إنما هو في السماء الدنيا ، وساغ أن يقول فيهن لما كان في إحداهن فهو في الجميع كقولك : فلان في الأندلس ، إذا كان في بعضها ، وجعل القمر نورا والشمس سراجا ، لأن ضوء السراج أقوى من النور ، فإن السراج هو الذي يضيء فيبصر به والنور قد يكون أقل من ذلك.
(وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) هذا عبارة عن إنشائهم من تراب الأرض ، ونباتا مصدر على غير المصدر أو يكون تقديره : أنبتكم فنبتم إنباتا ، ويحتمل أن يكون منصوبا على الحال (ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها) يعني بالدفن (وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً) يعني بالبعث من القبور (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً) شبه الأرض بالبساط في امتدادها واستقرار الناس عليها ، وأخذ بعضهم من لفظ البساط أن الأرض بسيطة غير كروية ، خلافا لما ذهب إليه أهل التعديل وفي ذلك نظر (سُبُلاً فِجاجاً) ذكر في الأنبياء [٣١] (وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً) يعني اتبعوا أغنياءهم وكبراءهم وقرئ ولده بفتحتين (١) وولد بضم الواو وسكون اللام وهما بمعنى واحد (وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً) الكبّار بالتشديد أبلغ من الكبار بالتخفيف ، والكبار بالتخفيف أبلغ من الكبير.
(وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ) أي وصى بعضهم بعضا بذلك (وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً) هذه أسماء أصنامهم ، كان قوم نوح يعبدونها ، وروي أنها أسماء رجال صالحين كانوا في صدر الدنيا ، فلما ماتوا صوّرهم أهل ذلك العصر من حجارة ، وقالوا : ننظر إليها لنتذكر أعمالهم الصالحة ، فهلك ذلك الجيل وكثر تعظيمهم من بعدهم لتلك الصور ، حتى عبدوها من دون الله ، ثم انتقلت تلك الأصنام بأعيانها ؛ وقيل بل الأسماء فقط إلى قبائل العرب ، فكان ودّا لكلب بدومة الجندل ، وكان سواع لهذيل ، وكان يغوث لمراد وكان يعوق لهمدان ، وكان نسرا لذي الكلاع من حمير. وقرئ ودا بفتح الواو وضمها ودا (٢) وهما
__________________
(١). قرأ نافع وابن عامر وعاصم : وولده. وقرأ الباقون : وولده. وهما لغتان.
(٢). قرأ نافع ودا بضم الواو. والباقون بفتحها.