لغتان (وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً) الضمير للرؤساء من قوم نوح ، والمعنى أضلوا كثيرا من أتباعهم ، وهذا من كلام نوح عليهالسلام ، وكذلك لا تزد الظالمين إلا ضلالا من كلامه ، وهو دعاء عليهم. وقال الزمخشري : إنه معطوف على قوله : (رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي) والتقدير : قال رب إنهم عصوني وقال : «لا تزد الظالمين إلا ضلالا» (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا) (١) هذا من كلام الله إخبارا عن أمرهم ، وما زائدة للتأكيد وإنما قدم هذا المجرور للتأكيد أيضا ليبين أن إغراقهم وإدخالهم النار ، إنما كان بسبب خطاياهم وهي الكفر وسائر المعاصي (فَأُدْخِلُوا ناراً) يعني جهنم. وعبّر عن ذلك بالفعل الماضي لأن الأمر محقق ، وقيل : أراد عرضهم على النار وعبر عنه بالإدخال.
(وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) ديّارا من الأسماء المستعملة في النفي العام ، يقال : ما في الدار ديار ، أي ما فيها أحد ، ووزنه فيعال وكان أصله ديوار ثم قبلت الواو ياء وأدغمت في الياء ، وليس وزنه فعال لأنه لو كان كذلك لقيل : دوار لأنه مشتق من الدور أو من الدار ، وروي أن نوحا عليهالسلام لم يدع على قومه بهذا الدعاء إلا بعد أن يئس من إيمانهم ، وبعد أن أخرج الله كل مؤمن من أصلابهم (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ) يؤخذ من هذا أن سنة الدعاء أن يقدم الإنسان الدعاء لنفسه على الدعاء لغيره ، وكان والدا نوح عليهالسلام مؤمنين قال ابن عباس : لم يكن لنوح أب كافر ما بينه وبين آدم عليهماالسلام واسم والد نوح لمك بن متوشلخ وأمه شمخا بنت أنوش ، حكاه الزمخشري (وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً) قيل : بيته المسجد ، وقيل السفينة. وقيل شريعته سماها بيتا استعارة وهذا بعيد وقيل : داره وهذا أرجح لأنه الحقيقة (وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) هذا دعاء بالمغفرة لكل مؤمن ومؤمنة على العموم ، وفيه دليل على جواز ذلك خلافا لمن قال من المتأخرين : إنه لا يجوز الدعاء بالمغفرة لجميع المؤمنين على العموم ، وهذا خطأ وتضييق لرحمة الله الواسعة ، قال بعض العلماء : إن الإله الذي استجاب لنوح عليهالسلام فأغرق بدعوته جميع أهل الأرض الكفار حقيق أن يستجيب له فيرحم بدعوته جميع المؤمنين والمؤمنات (تَباراً) أي هلاكا والله أعلم.
__________________
(١). قرأ أبو عمرو : خطاياهم. والباقون : خطيئاتهم.