الآية والأول هو الصحيح. لأنه ورد في البخاري وغيره (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) ضمن الله له أن يجمعه في صدره ، فلا يحتاج إلى تحريك شفيته عند نزوله ، ويحتمل قرآنه هنا وجهين ، أحدهما : أن يكون بمعنى القراءة فإن القرآن قد يكون مصدرا من قرأت ، والآخر : أن يكون معناه تأليفه في صدره فهو مصدر من قولك : قرأت الشيء أي جمعته (فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) أي إذا قرأه جبريل ، فاجعل قراءة جبريل قراءة الله ؛ لأنها من عنده ، ومعنى اتبع قرآنه اسمع قراءته واتبعها بذهنك لتحفظها ، وقيل : اتبع القرآن في الأوامر والنواهي (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) أي علينا أن نبينه لك ونجعلك تحفظه ، وقيل : علينا أن نبين معانيه وأحكامه ، فإن قيل : ما مناسبة قوله : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ) الآية لما قبلها فالجواب أنه لعله نزل معه في حين واحد فجعل على ترتيب النزول.
(بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ) (١) أي تحبون الدنيا ، وهذا الخطاب توبيخ للكفار ، ومن كان على مثل حالهم في حب الدنيا ، وكلا ردع عن ذلك (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) بالضاد أي ناعمة ، ومنه (نَضْرَةَ النَّعِيمِ) [المطففين : ٢٤] (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) هذا من النظر بالعين ، وهو نص في نظر المؤمنين إلى الله تعالى في الآخرة ، وهو مذهب أهل السنة ، وأنكره المعتزلة وتأولوا ناظرة بأن معناه منتظرة ، وهذا باطل ؛ لأن نظر بمعنى انتظر يتعدى بغير حرف جر ، تقول نظرتك أي انتظرتك ، وأما المتعدي بإلى فهو من نظر العين ، ومنه قوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ) [يونس : ٤٣] وقال بعضهم : إلى هنا ليست بحرف جر وإنما هي واحد الآلاء بمعنى النعم ، وهذا تكلف في غاية البعد ، وتأوله الزمخشري بأن معناه كقول الناس : فلان ناظر إلى فلان إذا كان يرتجيه ويتعلق به ، وهذا بعيد وقد جاء عن النبي صلىاللهعليهوسلم في النظر إلى الله أحاديث صحيحة مستفيضة صريحة المعنى لا تحتمل التأويل فهي تفسير الآية (٢). (باسِرَةٌ) أي عابسة تظهر عليها الكآبة والبسور أشد من العبوس (تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) أي مصيبة قاصمة الظهر ، والظن هنا يحتمل أن يكون على أصله أو بمعنى اليقين.
(إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ) يعني حالة الموت والتراقي جمع ترقوة وهو عظام أعلى الصدر ،
__________________
(١). قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو : يحبون العاجلة : ويذرون الآخرة بالياء وقرأ الباقون بالتاء تحبون وتذرون.
(٢). ومنها الحديث المتفق عليه عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : «كنا عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر وقال : إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا القمر ، لا تضامون في رؤيته» صدقت يا رسول الله ، من رياض الصالحين.