والفاعل لبلغت نفس الإنسان دل على ذلك سياق الكلام ، وهو عبارة عن حال الحشرجة وسياق الموت (وَقِيلَ مَنْ راقٍ) (١) أي قال أهل المريض : من يرقيه عسى أن يشفيه؟ وقيل : معناه أن الملائكة تقول : من يرقى بروحه أي يصعد بها إلى السماء؟ فالأول من الرقية وهو أشهر وأظهر ، والثاني من الرقيّ وهو العلو (وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ) أي تيقن المريض أن ذلك الحال فراق الدنيا وفراق أهله وماله (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) هذا عبارة عن شدة كرب الموت وسكراته ، أي التفت ساقه على الأخرى عند السياق وقيل هو مجاز كقوله كشفت الحرب عن ساقها إذا اشتدت ، وقيل : معناه ماتت ساقه فلا تحمله وقيل : التفت أي لفها الكافر إذا كفر وفي قوله : الساق والمساق ضرب من ضروب التجنيس (إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ) هذا جواب إذا بلغت التراقي والمساق مصدر من السوق كقوله : (إِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) [آل عمران : ٢٨] (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى) لا هنا نافية وصدّق هنا يحتمل أن يكون من التصديق بالله ورسله أو من الصدقة ، ونزلت هذه الآية وما بعدها في أبي جهل (يَتَمَطَّى) أي يتبختر في مشيته ، وذلك عبارة عن التكبر والخيلاء ، وكانت هذه المشية معروفة في بني مخزوم الذين كان أبو جهل منهم (أَوْلى لَكَ) وعيد وتهديد (فَأَوْلى) وعيد ثان ثم كرر ذلك تأكيدا ، وروي أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لبّب أبا جهل وقال له : إن الله يقول لك : أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى. فنزل القرآن بموافقة ذلك.
(أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) هذا توبيخ ومعناه أيظن أن يترك من غير بعث ولا حساب ولا جزاء ، فهو كقوله : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً) [المؤمنون : ١١٥] ، والإنسان هنا جنس ، وقيل نزلت في أبي جهل ولا يبعد أن يكون سببها خاصا ومعناها عام (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى) النطفة النقطة وتمنى (٢) من قولك : أمنى الرجل ، ومعنى الآية : الاستدلال بخلقة الإنسان على بعثه ، كقوله : (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ) [ياسين : ٧٩] والعلق : الدم لأن المني يصير في الرحم دما (فَخَلَقَ فَسَوَّى) أي خلقه بشرا فسوى صورته أي أتقنها (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) هذا تقرير واحتجاج ، وروي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان إذا قرأ آخر هذه السورة قال بلى وفي رواية : سبحانك اللهم بلى.
__________________
(١). قرأ حفص : من راق بإظهار النون وقرأها الباقون بالإدغام.
(٢). يمنى بالياء هي قراءة حفص والباقون : تمنى بالتاء.