وهو قول ابن عباس (ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ) أي جعله ذا قبر يقال قبرت الميت إذا دفنته ، وأقبرته إذا أمرت أن يدفن (ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ) أي بعثه من قبره يقال : نشر الميت إذا قام ، وأنشره الله والإشارة إذا شاء ليوم القيامة ، أي الوقت الذي يقدر أن ينشره فيه.
(كَلَّا) ردع للإنسان عما هو فيه (لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ) أي لم يقض الإنسان على تطاول عمره ما أمره الله ، قال بعضهم : لا يقضي أحد أبدا جميع ما افترض الله عليه إذ لا بدّ للعبد من تفريط (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ) أمر بالاعتبار في الطعام كيف خلقه الله بقدرته ويسره برحمته ، فيجب على العبد طاعته وشكره ويقبح معصيته والكفر به ، وقيل : فلينظر إلى طعامه إذا صار رجيعا ، فينظر حقارة الدنيا وخساسة نفسه ، والأول أشهر ، وأظهر في معنى الآية على أن القول الثاني صحيح وانظر كيف فسره بقوله (أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا) (١) وما بعده ليعدّد النعم ويظهر القدرة ، وقرئ إنا صببنا الماء بفتح الهمزة على البدل من الطعام (ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ) يعني يخرج البنات منها (حَبًّا) يعني القمح والشعير وسائر الحبوب (وَقَضْباً) قيل : هي الفصفصة ، وقيل : هي علف البهائم واختار ابن عطية أنها البقول وشبهها مما يؤكل رطبا (غُلْباً) أي غليظة ناعمة (وَأَبًّا) الأبّ المرعى عند ابن عباس والجمهور ، وقيل : التبن وقد توقف في تفسيره أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
(الصَّاخَّةُ) القيامة وهي مشتقة من قولك : صخ الأذن إذا أصمها بشدة صياحه ، فكأنه إشارة إلى النفخة في الصور ، أو إلى شدة الأمر حتى يصخ من يسمعه لصعوبته وقيل : هي من قولك : أصاخ للحديث إذا استمعه ، والأول هو الموافق للاشتقاق (يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ) الآية ذكر فرار الإنسان من أحبابه ، ورتبهم على ترتيبهم في الحنو والشفقة فبدأ بالأقل وختم بالأكثر ، لأن الإنسان أشد شفقة على بنيه من كل من تقدم ذكره ؛ وإنما يفر منهم لاشتغاله بنفسه ؛ وقيل : إن فراره منهم لئلا يطالبوه بالتبعات والأول أرجح وأظهر ، لقوله (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) أي هو مشغول بشأنه من الحساب والثواب والعقاب ، حتى لا يسعه ذكر غيره ، وانظر قول الأنبياء عليهمالسلام ، يومئذ نفسي نفسي (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ) أي مضيئة من السرور ، وهو من قولك : أسفر الصبح إذا أضاء (عَلَيْها غَبَرَةٌ) أي غبار ، والقترة أيضا الغبار. قال ابن عطية : الغبرة من العبوس والكرب ، كما يقتر وجه المهموم والمريض ، والقترة هي غبار الأرض ، وقال الزمخشري : الغبرة : غبار يعلوها ، والقترة سواد فيعظم قبحها باجتماع الغبار والسواد.
__________________
(١). قرأ عاصم وحمزة والكسائي : أنا صببنا بفتح الهمزة والباقون بكسرها.