يحتمل أن يكون اليسير بمعنى قليل ، أو بمعنى هيّن سهل ، وفي الحديث أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : من نوقش الحساب عذّب. فقالت عائشة ألم يقل الله فسوف يحاسب حسابا يسيرا. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم إنما ذلك العرض وأما من نوقش الحساب فيهلك (١). وفي الحديث أيضا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم إن الله يدني العبد يوم القيامة حتى يضع كنفه عليه فيقول : فعلت كذا وكذا ويعدد عليه ذنوبه ثم يقول سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم (٢) ، وروي أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال : «من حاسب نفسه في الدنيا هون الله عليه حسابه يوم القيامة» (٣) (وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً) أي يرجع إلى أهله في الجنة مسرورا بما أعطاه الله ، والأهل : زوجاته في الجنة من نساء الدنيا أو من الحور العين ، ويحتمل أن يريد قرابته من المؤمنين ، وبذلك فسره الزمخشري.
(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ) يعني : الكافر. وروي أن هاتين الآيتين نزلتا في أبي سلمة بن عبد الأسد ، وكان من فضلاء المؤمنين وفي أخيه أسود ، وكان من عتاة الكافرين ، ولفظها أعم من ذلك فإن قيل : كيف قال في الكافر هنا أن يؤتى كتابه وراء ظهره وقال في الحاقة بشماله؟ فالجواب من وجهين أحدهما : أن يديه تكونان مغلولتين إلى عنقه ، وتجعل شماله وراء ظهره فيأخذ بها كتابه ، وقيل : تدخل يده اليسرى في صدره وتخرج من ظهره فيأخذ بها كتابه (يَدْعُوا ثُبُوراً) أي يصيح بالويل والثبور (٤) (إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً) أي كان في الدنيا مسرورا مع أهله ، متنعما غافلا عن الآخرة ، وهذا في مقابلة ما حكي عن المؤمن أنه ينقلب إلى أهله مسرورا في الجنة ، وهو ضد ما حكي عن المؤمنين في الجنة من قولهم : إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) أي لا يرجع إلى الله ، والمعنى أنه يكذب بالبعث (بَلى) أي يحور ويبعث (فَلا أُقْسِمُ) ذكر في نظائره (بِالشَّفَقِ) هي الحمرة التي تبقى بعد غروب الشمس ، وقال أبو حنيفة : هو البياض ، وقيل : هو النهار كله. وهذا ضعيف والأول هو المعروف عند الفقهاء وعند أهل اللغة (وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ) أي جمع وضم ، ومنه الوسق (٥) ، وذلك أن الليل يضم الأشياء ويسترها
__________________
(١). الحديث رواه أحمد عن عائشة ج ٦ ص ٤٨.
(٢). رواه أحمد عن ابن عمر ج ٢ ص ٥٧.
(٣). لم أعثر عليه ومعناه صحيح.
(٤). الآية : ويصلى سعيرا هكذا قرأها أبو عمرو وعاصم وحمزة وقرأها الباقون : ويصلّى بالتشديد.
(٥). مكيال يساوي ٦٠ صاعا والصاع : ٣ أمداد. والوسق يساوي تقريبا أكثر بقليل من ١٢٠ كيلو غرام.