بالأخدود فخدّ في أفواه السكك وأضرم فيها النيران فقال : من لم يرجع عن دينه فألقوه فيها ففعلوا ، حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام : يا أماه اصبري فإنك على الحق. الثاني أن ملكا زنى بأخته ثم أراد أن يحلل للناس نكاح الأخوات فأطاعه قوم ومنهم أخذ المجوس ذلك ، وعصاه قوم فحفر لهم الأخدود فأحرقهم فيه بالنار القول الثالث أن نبي أصحاب الأخدود كان حبشيا ، وأن الحبشة بقية أصحاب الأخدود. القول الرابع أن أصحاب الأخدود ذو نواس المذكور في قصة عبد الله بن التامر التي وقعت في السير «ويحتمل أن يكون ذو نواس الملك الذي ذكره النبي صلىاللهعليهوسلم فيتفق هذا القول مع الأول فإن ذا نواس حفر أخدودا فأوقد فيه نيرانا وألقى فيها كل من وحد الله تعالى واتبع العبد الصالح عبد الله بن التامر.
(النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ) النار بدل من الأخدود ، وهو بدل اشتمال ، والوقود ما توقد به النار ، والقصد وصف النار بالشدة والعظم (إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ) الضمير للكفار الذين كانوا يحرقون المؤمنين في الأخدود ، وهم أصحاب الأخدود على الأظهر. والعامل في إذ قوله : قتل فروي أن النار أحرقت من المؤمنين عشرين ألفا ، وقيل : سبعين ألفا فقتل على هذا بمعنى لعن أي لعنوا حين قعدوا على النار لتحريق المؤمنين ، وروي أن الله بعث على المؤمنين ريحا فقبضت أرواحهم وخرجت النار فأحرقت الكفار الذين كانوا عليها ، فقتل على هذا بمعنى القتل الحقيقي أي قتلتهم النار ؛ وقيل : الضمير في إذ هم للمؤمنين ، والأول أشهر وأظهر لقوله : (وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ) يحتمل أن يكون بمعنى الشهادة أي : يشهد بعضهم لبعض عند الملك بأنه فعل ما أمره الملك من التحريق ، أو يشهدون بذلك على أنفسهم يوم القيامة ، أو يكون بمعنى الحضور أي كانوا حاضرين على ذلك الفعل (وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ) أي ما أنكر الكفار على المؤمنين إلا أنهم آمنوا بالله ، وهذا لا ينبغي أن ينكر. فإن قيل : لم قال أن يؤمنوا بلفظ المضارع ولم يقل آمنوا بلفظ الماضي لأن القصة قد وقعت؟ فالجواب أن التعذيب إنما كان على دوامهم على الإيمان ، ولو كفروا في المستقبل لم يعذبوهم ، فلذلك ذكره بلفظ المستقبل فكأنه قال : إلا أن يدوموا على الإيمان.
(إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) إن كانت هذه الآية في أصحاب الأخدود فالفتنة هنا بمعنى الإحراق ، وإن كانت في كفار قريش فالفتنة بمعنى المحنة ، والتعذيب وهذا أظهر لقوله : ثم لم يتوبوا لأن أصحاب الأخدود لم يتوبوا بل ماتوا على كفرهم. وأما قريش فمنهم من أسلم وتاب ، وفي الآية دليل على أن الكافر إذا أسلم يغفر له ما فعل في