هذه الآية سجدة عند الشافعي وغيره للحديث الصحيح الوارد في ذلك خلافا للمالكية (وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ) عموم في العبادة بعد ذكر الصلاة التي عبر عنها بالركوع والسجود ، وإنما قدمها لأنها أهم العبادات (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ) قيل : المراد صلة الرحم ، وقال ابن عطية : هي في الندب فيما عدا الواجبات ، واللفظ أعم من ذلك كله (وَجاهِدُوا فِي اللهِ) يحتمل أن يريد جهاد الكفار ، أو جهاد النفس والشيطان أو الهوى ، أو العموم في ذلك (حَقَّ جِهادِهِ) قيل : إنه منسوخ كنسخ حق تقاته بقوله : ما استطعتم وفي ذلك نظر ، وإنما أضاف الجهاد إلى الله ليبين بذلك فضله واختصاصه بالله (اجْتَباكُمْ) أي اختاركم من بين الأمم (مِنْ حَرَجٍ) أي مشقة ، وأصل الحرج الضيق (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) انتصب ملة بفعل مضمر تقديره : أعني بالدين ملة إبراهيم أو التزموا ملة إبراهيم وقال الفراء : انتصب على تقدير حذف الكاف كأنه قال كملة ، وقال الزمخشري : انتصب بمضمون ما تقدم : كأنه قال : وسع عليكم توسعة ملة أبيكم إبراهيم ، ثم خذف المضاف ، فإن قيل : لم يكن إبراهيم أبا للمسلمين كلهم ، فالجواب : أنه كان أبا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكان أبا لأمته لأن أمة الرسول في حكم أولاده ، ولذلك قرئ (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) [الأحزاب : ٦] ، وهو أب لهم ، وأيضا فإن قريشا وأكثر العرب من ذرية إبراهيم ، وهم أكثر الأمة فاعتبرهم دون غيرهم (هُوَ سَمَّاكُمُ) الضمير لله تعالى ، ومعنى من قبل في الكتب المتقدمة. وفي هذا أي في القرآن ، وقيل الضمير لإبراهيم والإشارة إلى قوله : ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ، ومعنى من قبل على هذا : من قبل وجودكم ، وهنا يتم الكلام على هذا القول ويكون قوله «وفي هذا» مستأنفا : أي وفي هذا البلاغ ، والقول الأول أرجح وأقل تكلفا ، ويدل عليه قراءة أبي بن كعب : الله سماكم المسلمين (شَهِيداً عَلَيْكُمْ) تقدم معنى هذه الشهادة في البقرة (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) الظاهر أنها المكتوبة لاقترانها مع الزكاة (هُوَ مَوْلاكُمْ) معناه هنا : وليكم وناصركم ؛ بدلالة ما بعد ذلك.