لأنها مكية وإنما أسلم أبو الدحداح بالمدينة ، وقيل إن آية الذم نزلت في أبي سفيان بن حرب ، وهذا ضعيف لقوله : فسنيسره للعسرى وقد أسلم أبو سفيان بعد ذلك
(وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى) هذا نفي ، أو استفهام بمعنى الإنكار.
واختلف في معنى تردّى على أربعة أقوال : الأول تردّى أي هلك ، فهو مشتق من الردى وهو الموت ، أو تردّى أي سقط في القبر ، أو سقط في جهنم ، أو تردى بأكفانه من الرداء (إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى) أي بيان الخير والشر ، وليس المراد الإرشاد عند الأشعرية خلافا للمعتزلة (فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى) خطاب من الله أو من النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم على تقدير : قل (لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى) استدل المرجئة بهذه الآية على أن النار لا يدخلها إلا الكفار لقوله : الذي كذب وتولى.
وتأولها الناس بثلاثة أوجه أحدها أن المعنى لا يصلاها صلي خلود إلا الأشقى ، والآخر أنه أراد نارا مخصوصة الثالث. أنه أراد بالأشقى كافرا معينا وهو أبو جهل وأمية بن خلف ، وقابل به الأتقى وهو أبو بكر الصديق ؛ فخرج الكلام مخرج المدح والذم على الخصوص ، لا مخرج الإخبار على العموم (يَتَزَكَّى) من أداء الزكاة أو من الزكاة ، أي يصير زكيا عند الله ، أو يتطهر من ذنوبه ، وهذا الفعل بدل من يؤتى ماله أو حال من الضمير (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى) أي لا يفعل الخير جزاء على نعمة أنعم بها عليه أحد فيما تقدم ، بل يفعله ابتداء خالصا لوجه الله ، وقيل : المعنى لا يقصد جزاء من أحد في المستقبل على ما يفعل ، والأول أظهر ويؤيده ما روي أن سبب الآية أن أبا بكر الصديق لما أعتق بلالا قالت قريش : كان لبلال عنده يد متقدمة فنفى الله قولهم (إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ) استثناء منقطع (وَلَسَوْفَ يَرْضى) وعد بأن يرضيه في الآخرة.