ذكرك ولك صدرك مع أن المعنى مستقل دون ذلك؟ فالجواب أن قوله : لك يدل على الاعتناء به والاهتمام بأمره (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) هذا وعد لما يسّر بعد العسر ، وإنما ذكره بلفظ مع التي تقتضي المقاربة ليدل على قرب اليسر من العسر فإن قيل : ما وجه ارتباط هذا مع ما قبله؟ فالجواب أنه صلىاللهعليهوسلم كان بمكة هو وأصحابه في عسر من إذاية الكفار ومن ضيق الحال ووعده الله باليسر ، وقد تقدم تعديد النعم تسلية وتأنيسا ، لتطيب نفسه ويقوى رجاؤه كأنه يقول : إن الذي أنعم عليك بهذه النعم سينصرك ويظهرك ويبدّل لك هذا العسر بيسر قريب ، ولذلك كرر إن مع العسر يسرا مبالغة وقال صلىاللهعليهوسلم : لن يغلب عسر يسرين وقد روي ذلك عن عمر وابن مسعود (١) وتأويله أن العسر المذكور في هذه السورة واحد ، لأن الألف واللام للعهد كقولك : جاءني رجل فأكرمت الرجل. واليسر اثنان لتنكيره وقيل : إن اليسر الأول في الدنيا والثاني في الآخرة (فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) هو من النصب بمعنى التعب ، والمعنى إذا فرغت من أمر فاجتهد في آخر ثم اختلف في تعيين الأمرين فقيل : إذا فرغت من الفرائض فانصب في النوافل وقيل : إذا فرغت من الصلاة فانصب في الدعاء. وقيل : إذا فرغت من شغل دنياك فانصب في عبادة ربك (وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ) قدم الجار والمجرور ليدل على الحصر أي لا ترغب إلا إلى ربك وحده.
__________________
(١). رواه الطبري أيضا في تفسيره موقوفا على الحسن البصري وموصولا إلى ابن مسعود.