(وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) أي هو فاعله ومختص به فاللام على هذا للاختصاص ، وقد ذكر في البقرة معنى اختلاف الليل والنهار (بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ) أي قالت قريش مثل قول الأمم المتقدمة ، ثم فسر قولهم بإنكارهم البعث ، وإليه الإشارة بقولهم : لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا ، وقد ذكر الاستفهامان في الرعد ، وأساطير الأولين في الأنعام (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها) هذه الآيات توقيف [أي سؤال] لهم على أمور لا يمكنهم الإقرار بها ، وإذا أقروا بها لزمهم توحيد خالقها والإيمان بالدار الآخرة (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) (١) قرئ في الأول لله باللام بإجماع ، جوابا لقوله : لمن الأرض ، وكذلك قرأ الجمهور الثاني والثالث ، وذلك على المعنى لأن قوله : من رب السموات في معنى لمن هي ، وقرأ أبو عمرو الثاني والثالث بالرفع على اللفظ (مَلَكُوتُ) مصدر وفي بنائه مبالغة (يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ) الإجارة المنع من الإهانة ، يقال : أجرت فلانا على فلان ، إذا منعته من مضرته وإهانته ، فالمعنى أن الله تعالى يغيث من شاء ممن شاء ، ولا يغيث أحد منه أحدا (فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) أي تخدعون عن الحق والخادع لهم الشيطان ، وذلك تشبيه بالسحر في التخليط والوقوع في الباطل ، ورتب هذه التوبيخات الثلاثة بالتدريج فقال أولا : أفلا تذكرون ، ثم قال ثانيا : أفلا تتقون ، وذلك أبلغ ، لأن فيه زيادة تخويف ، ثم قال ثالثا : فأنى تسحرون وفيه من التوبيخ ما ليس في غيره (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) يعني فيما ينسبون لله من الشركاء والأولاد ، ولذلك ردّ عليهم بنفي ذلك (إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ) هذا برهان على الوحدانية ، وبيانه أن يقال : لو كان مع الله إلها آخر لانفرد كل واحد منهما بمخلوقاته عن مخلوقات الآخر ، واستبدّ كل واحد منهما بملكه ، وطلب غلبة الآخر والعلوّ عليه كما ترى حال ملوك الدنيا ، ولكن لما رأينا جميع المخلوقات مرتبطة بعضها ببعض حتى كأن العالم كله كرة واحدة : علمنا أن مالكه ومدبره واحد ، لا إله غيره. وليس هذا البرهان بدليل التمانع كما فهم ابن عطية وغيره ، بل هو دليل آخر ، فإن قيل : إذ لا تدخل إلا على كلام هو جزاء وجواب ، فكيف
__________________
(١). وردت : سيقولون لله ثلاث مرات فلا خلاف في الأولى : لله وأما في الثانية والثالثة فقرأ أبو عمرو : الله. وقرأ الباقون : لله.