دخلت هنا ولم يتقدّم قبلها شرط ولا سؤال سائل؟ فالجواب : أن الشرط محذوف تقديره لو كان معه آلهة وإنما حذف لدلالة قوله : وما كان معه من إله ، وهو جواب للكفار الذين وقع الرد عليهم (عالِمِ الْغَيْبِ) بالرفع خبر ابتداء ، وبالخفض صفة لله (قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ) الآية : معناه أن الله أمر نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يدعو لنفسه بالنجاة من عذاب الظالمين إن قضى أن يرى ذلك ، وفيها تهديد للظالمين وهم الكفار ، وإن شرطية وما زائدة ، وجواب الشرط فلا تجعلني ، وكرر قوله رب مبالغة في الدعاء والتضرع.
(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) قيل التي هي أحسن لا إله إلا الله ، والسيئة الشرك ، والأظهر أنه أمر بالصفح والاحتمال وحسن الخلق وهو محكم غير منسوخ ، وإنما نسخ ما يقتضيه من مسالمة الكفار (مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ) يعني نزغاته ووساوسه ، وقيل : يعني الجنون ، واللفظ أعم من ذلك (أَنْ يَحْضُرُونِ) معناه أن يكونوا معه ، وقيل : يعني حضورهم عند الموت (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ) قال ابن عطية : حتى هنا حرف ابتداء : أي ليست غاية لما قبلها ، وقال الزمخشري : حتى تتعلق بيصفون : أي لا يزالون كذلك حتى يأتيهم الموت (قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) يعني الرجوع إلى الدنيا ، وخاطب به مخاطبة الجماعة للتعظيم ، قال ذلك الزمخشري وغيره ، ومثله قول الشاعر :
ألا فارحمون يا آل محمد
وقيل إنه نادى ربه ثم خاطب الملائكة (فِيما تَرَكْتُ) قيل : يعني فيما تركت من المال ، وقيل : فيما تركت من الإيمان فهو كقوله : (أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) [الأنعام : ١٥٨] ، والمعنى أن الكافر رغب أن يرجع إلى الدنيا ليؤمن ويعمل صالحا في الإيمان الذي تركه أول مرة (كَلَّا) ردع له عما طلب (إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها) يعني قوله : (رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً) فسمى هذا الكلام كلمة وفي تأويل معناه ثلاثة أقوال : أحدها أن يقول هذه الكلمة لا محالة لإفراط ندمه وحسرته فهو إخبار بقوله ، والثاني أن المعنى أنها كلمة يقولها ولا تنفعه ولا تغني عنه شيئا ، والثالث أن يكون المعنى أنه يقولها كاذبا فيها ، ولو رجع إلى الدنيا لم يعمل صالحا (وَمِنْ وَرائِهِمْ) أي فيما يستقبلون من الزمان والضمير للجماعة المذكورين في قوله جاء أحدهم (بَرْزَخٌ) يعني المدة التي بين الموت والقيامة ، وهي تحول بينهم وبين الرجوع إلى الدنيا وأصل البرزخ الحاجز بين شيئين (فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ) المعنى أنه ينقطع يومئذ التعاطف والشفقة التي بين القرابة ؛ لاشتغال كل أحد بنفسه كقوله : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ) [عبس : ٣٤] فتكون الأنساب كأنها معدومة (وَلا