يَتَساءَلُونَ) أي لا يسأل بعضهم بعضا لاشتغال كل أحد بنفسه ، فإن قيل : كيف الجمع بين هذا وبين قوله (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) [الطور : ٢٥] فالجواب أن ترك التساؤل عند النفخة الأولى ثم يتساءلون بعد ذلك ، فإن يوم القيامة يوم طويل فيه مواقف كثيرة (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ) أي تصيبهم بالإحراق (كالِحُونَ) الكلوح انكشاف الشفتين عن الأسنان ، وكثيرا ما يجري ذلك للكلاب ، وقد يجرى للكباش إذا شويت رؤوسها ، وفي الحديث : إن شفة الكافر ترتفع في النار حتى تبلغ وسط رأسه (١) ، وفي ذلك عذاب وتشويه (غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا) أي ما قدر عليهم من الشقاء ، وقرئ شقاوتنا ، والمعنى واحد (قالَ اخْسَؤُا) كلمة تستعمل في زجر الكلاب ، ففيها إهانة وإبعاد (وَلا تُكَلِّمُونِ) أي لا تكلمون في رفع العذاب ، فحينئذ ييأسون من ذلك ، أعاذنا الله من ذلك برحمته (سِخْرِيًّا) بضم السين من السخرة بمعنى التخديم ، وبالكسر من السخر بمعنى الاستهزاء ، وقد يقال هذا بالضم ، وقرئ هنا بالوجهين لاحتمال المعنيين ، على أن معنى الاستهزاء هنا أليق لقوله «وكنتم منهم تضحكون» (كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ) يعني في جوف الأرض أمواتا ، وقيل : أحياء في الدنيا ، فأجابوا بأنهم لبثوا يوما أو بعض يوم لاستقصارهم المدة أو لما هم فيه من العذاب بحيث لا يعدون شيئا (فَسْئَلِ الْعادِّينَ) أي اسأل من يقدر على أن يعدّ ، وهو من عوفي مما ابتلوا به أو يعنون الملائكة (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) معناه أنه قليل بالنسبة إلى بقائهم في جهنم خالدين أبدا (عَبَثاً) أي باطلا ، والمعنى إقامة حجة على الحشر للثواب والعقاب (لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ) أي لا حجة ولا دليل ، والجملة صفة لقوله : إلها آخر ، وجواب الشرط (فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) الضمير للأمر والشأن ، وانظر كيف افتتح السورة بفلاح المؤمنين وختمها بعدم فلاح الكافرين ، ليبين البون بين الفريقين والله أعلم.
__________________
(١). أورده المنذري ج ٤ ص ٢٣٩ وعزاه لأحمد والترمذي عن أبي سعيد الخدري.