ظهر منها يعني الثياب ؛ فعلى هذا يجب ستر جميع جسدها ، وقيل : الثياب والوجه والكفان ، وهذا مذهب مالك لأنه أباح كشف وجهها وكفيها في الصلاة ، وزاد أبو حنيفة القدمين (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَ) الجيوب هي التي يقول لها العامة أطواق ، وسببها أن النساء كن في ذلك الزمان يلبسن ثيابا واسعات الجيوب ، يظهر منها صدورهن ، وكن إذا غطين رؤوسهن بالأخمرة ، سدلنها من وراء الظهر ، فيبقى الصدر والعنق والأذنان لا ستر عليها ، فأمرهن الله بلي الأخمرة [جمع خمار] على الجيوب ليستر جميع ذلك (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَ) الآية : المراد بالزينة هنا الباطنة ، فلما ذكر في الآية قبلها ما أباح أن يراه غير ذوي المحرم من الزينة الظاهرة ، وذكر في هذه ما أباح أن يراه الزوج وذوي المحارم من الزينة الباطنة ، وبدأ بالبعولة وهم الأزواج لأن اطلاعهم يقع على أعظم من هذا ، ثم ثنّى بذوي المحارم وسوّى بينهم في إبداء الزينة ، ولكن مراتبهم تختلف بحسب القرب ، والمراد بالآباء كل من له ولادة من والد وجدّ ، وبالأبناء كل من عليه ولادة من ولد وولد ولد ، ولم يذكر في هذه الآية من ذوي المحارم : العم والخال ومذهب جمهور العلماء جواز رؤيتهما للمرأة ، لأنهما من ذوي المحارم ، وكره ذلك قوم ، وقال الشافعي : إنما لم يذكر العم والخال لئلا يصفا زينة المرأة لأولادهما (أَوْ نِسائِهِنَ) يعني جميع المؤمنات ، فكأنه قال أو صنفهن ويخرج عن ذلك نساء الكفار (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ) يدخل في ذلك الإماء المسلمات والكتابيات ، وأما العبيد : ففيهم ثلاثة أقوال : منع رؤيتهم لسيدتهم وهو قول الشافعي ، والجواز : وهو قول ابن عباس وعائشة ، والجواز بشرط أن يكون العبد وغدا وهو مذهب مالك ، وإنما أخذ جوازه من قوله «أو التابعين غير أولى الإربة» واختلف هل يجوز أن يراها عبد زوجها وعبد الأجنبيّ أم لا؟ على قولين (أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ) شرط في رؤية غير ذوي المحارم شرطين : أحدهما أن يكونا تابعين ، ومعناه أن يتبع لشيء يعطاه كالوكيل والمتصرف ، ولذلك قال بعضهم هو الذي يتبعك وهمته بطنه ، والآخر : أن لا يكون لهم إربة في النساء كالخصي والمخنث والشيخ الهرم والأحمق ، فلا يجوز رؤيتهم للنساء إلا باجتماع الشرطين ، وقيل بأحدهما ، ومعنى الإربة الحاجة إلى الوطء (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ) أراد بالطفل الجنس ، ولذلك وصفه بالجمع ، ويقال : طفل ما لم يراهق الحلم ، ويظهروا معناه يطلعون بالوطء على عورات النساء ، فمعناه الذين لم يطئوا النساء ، وقيل : الذين لا يدرون ما عورات النساء وهذا أحسن (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَ) روي أن امرأة كان لها خلخالان ، فكانت تضرب بهما ليسمعهما الرجال ، فنهى الله عزوجل عن ذلك ،