قال الزجاج : إسماع صوت الزينة أشد تحريكا للشهوة من إبدائها.
(وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ) التوبة واجبة على كل مؤمن مكلف بدليل الكتاب والسنة وإجماع الأمة ، وفرائضها ثلاثة : الندم على الذنب من حيث عصي به ذو الجلال ، لا من حيث أضر ببدن أو مال ، والإقلاع عن الذنب في أول أوقات الإمكان من غير تأخير ولا توان ، والعزم أن لا يعود إليها أبدا ومهما قضى عليه بالعود أحدث عزما مجدّدا ، وآدابها ثلاثة : الاعتراف بالذنب مقرونا بالانكسار ، والإكثار من التضرع والاستغفار ، والإكثار من الحسنات لمحو ما تقدم من السيئات ، ومراتبها سبع : فتوبة الكفار من الكفر ، وتوبة المخلطين من الذنوب الكبائر ، وتوبة العدول من الصغائر وتوبة العابدين من الفترات ، وتوبة السالكين من علل القلوب والآفات ، وتوبة أهل الورع من الشبهات ، وتوبة أهل المشاهدة من الغفلات. والبواعث على التوبة سبعة : خوف العقاب ، ورجاء الثواب ، والخجل من الحساب ، ومحبة الحبيب ، ومراقبة الرقيب القريب ، وتعظيم بالمقام ، وشكر الإنعام.
(وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) الأيامى جمع أيّم ومعناه الذين لا أزواج لهم رجالا كانوا أو نساء أبكارا أو ثيبات ، والخطاب هنا للأولياء والحكام أمرهم الله بتزويج الأيامى ، فاقتضى ذلك النهي عن عضلهن من التزويج ، وفي الآية دليل على عدم استقلال النساء بالإنكاح ؛ واشتراط الولاية فيه ، وهو مذهب مالك والشافعي خلافا لأبي حنيفة (وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ) يعني الذين يصلحون للتزويج من ذكور العبيد وإناثهم ، وقال الزمخشري : الصالحين بمعنى الصلاح في الدين ، قال وإنما خصهم الله بالذكر ليحفظ عليهم صلاحهم والمخاطبون هنا ساداتهم ؛ ومذهب الشافعي أن السيد يجبر على تزويج عبيده على هذه الآية خلافا لمالك ، ومذهب مالك أن السيد يجبر عبده وأمته على النكاح خلافا للشافعي (إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) وعد الله بالغنى للفقراء الذين يتزوجون لطلب رضا الله ، ولذلك قال ابن مسعود : التمسوا الغنى في النكاح (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) أمر بالاستعفاف وهو الاجتهاد في طلب العفة من الحرام لمن لا يقدر على التزوج ، فقوله : (لا يَجِدُونَ نِكاحاً) معناه لا يجدون استطاعة على التزوج بأي وجه تعذر التزوج ، وقيل : معناه لا يجدون صداقا للنكاح ، والمعنى الأول أعم ، والثاني : أليق بقوله حتى يغنيهم الله من فضله.
(وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ) الكتاب هنا مصدر بمعنى الكتابة ، وهي مقاطعة العبد على مال منجم فإذا أدّاه خرج حرّا ، وإن عجز بقي رقيقا ، وقيل : إن الآية نزلت بسبب حويطب ابن عبد العزى سأل مولاه أن يكاتبه فأبى عليه ، وحكمها مع ذلك عام فأمر الله سادات العبيد أن يكاتبوهم إذا طلبوا الكتابة ، وهذا الأمر على الندب عند مالك والجمهور ، وقال الظاهرية وغيرهم. هو على الوجوب وذلك ظاهر قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأنس بن مالك حين سأله مملوكه سيرين الكتابة فتلكأ أنس ، فقال له عمر : لتكاتبنه أو لأوجعنك