بالدرة ، وإنما حمله مالك على الندب لأن الكتابة كالبيع ، فكما لا يجبر على البيع لا يجبر عليها ، واختلف هل يجبر السيد عبده على الكتابة أم لا؟ على قولين في المذهب (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) الخير هنا القوة على أداء الكتابة بأي وجه كان ، وقيل : هو المال الذي يؤدي منه كتابته من غير أن يسأل أموال الناس ، وقيل هو الصلاح في الدين.
(وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ) هذا أمر بإعانة المكاتب على كتابته ، واختلف فيمن المخاطب بذلك فقيل : هو خطاب للناس أجمعين ، وقيل للولاة ، والأمر على هذين القولين للندب ، وقيل : هو خطاب لسادات المكاتبين ، وهو على هذا القول ندب عند مالك ، وللوجوب عند الشافعي فإن كان الأمر للناس ، فالمعنى أن يعطوهم صدقات من أموالهم ، وإن كان للولاة فيعطوهم من الزكاة ، وإن كان للسادات فيحطوا عنهم من كتابتهم ، وقيل : يعطوهم من أموالهم من غير الكتابة ، وعلى القول بالحط من الكتابة اختلف في مقدار ما يحط ، فقيل : الربع ، وروى ذلك عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقيل الثلث ، وقال مالك والشافعي : لا حد في ذلك ، بل أقل ما ينطلق عليه اسم شيء ، إلا أن الشافعي يجبره على ذلك ، ولا يجبره مالك ، وزمان الحط عنه في آخر الكتابة عند مالك ، وقيل في أول نجم.
(وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ) معنى البغاء الزنا ، نهى الله المسلمين أن يجبروا مملوكاتهم على ذلك ، وسبب الآية أن عبد الله بن أبيّ بن سلول المنافق كان له جاريتان ، فكان يأمرهما بالزنا للكسب منه وللولادة ، ويضربهما على ذلك ، فشكتا ذلك إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فنزلت الآية فيه وفيمن فعل مثل فعله (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) (١) هذا الشرط راجع إلى إكراه الفتيات على الزنا ، إذ لا يتصور إكراههن إلا إذا أردن التحصن وهو التعفف ، وقيل : هو راجع إلى قوله وأنكحوا الأيامى وذلك بعيد (لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا) يعني ما تكسبه الأمة بفرجها ، وما تلده من الزنا ؛ ويتعلق لتبتغوا بقوله لا تكرهوا (وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) المعنى غفور لهن رحيم بهن لا يؤاخذهن بالزنا ، لأنهن أكرهن عليه ، ويحتمل أن يكون المعنى غفور رحيم للسيد الذي يكرههن إذا تاب من ذلك (آياتٍ مُبَيِّناتٍ) بفتح الياء : أي بينها الله ؛ وبالكسر مبينات للأحكام والحلال والحرام (وَمَثَلاً) يعني ضرب لكم الأمثال بمن كان قبلكم في تحريم الزنا ، لأنه كان حراما في كل ملة أو في براءة عائشة كما برأ يوسف ومريم.
(اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) النور يطلق حقيقة على الضوء الذي يدرك بالأبصار ، ومجازا على المعاني التي تدرك بالقلوب ، والله ليس كمثله شيء ، فتأويل الآية الله ذو نور
__________________
(١). يمكن أن يفهم بعض الناس من هذا النص أن النهي هو على الإكراه ، أما إذا لم يوجد إكراه فلا نهي ، وهذا الفهم خاطئ ، لأن سورة النور قائمة أساسا على حرمة الزنا وعقاب الزاني ، ومن الروايات يفهم أن سبب النص هو ما كان يفعله أهل الجاهلية ومنهم بعض المنافقين وعلى رأسهم ابن أبي بن سلول. مصححة.