السموات والأرض ؛ ووصف نفسه بأنه نور كما تقول زيد كرم إذا أردت المبالغة في أنه كريم ، فإن أراد بالنور المدرك بالأبصار ، فمعنى نور السموات والأرض أنه خلق النور الذي فيهما من الشمس والقمر والنجوم ، أو أنه خلقهما وأخرجهما من العدم إلى الوجود ، فإنما ظهرت به كما تظهر الأشياء بالضوء ، ومن هذا المعنى قرأ عليّ بن أبي طالب : «الله نوّر السموات والأرض» بفتح النون والواو والراء وتشديد الواو : أي جعل فيهما النور ، وإن أراد بالنور المدرك بالقلوب ، فمعنى نور السموات والأرض جاعل النور في قلوب أهل السموات والأرض ولهذا قال ابن عباس : معناه هادي أهل السموات والأرض.
(مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ) المشكاة هي الكوة غير النافذة تكون في الحائط ، ويكون المصباح فيها شديد الإضاءة وقيل : المشكاة العمود الذي يكون المصباح على رأسه ، والأوّل أصح وأشهر ، والمعنى صفة نور الله في وضوحه كصفة مشكاة فيها مصباح ، على أعظم ما يتصوّره البشر من الإضاءة والإنارة ، وإنما شبه بالمشكاة وإن كان نور الله أعظم ، لأن ذلك غاية ما يدركه الناس من الأنوار ، فضرب المثل لهم بما يصلون إلى إدراكه. وقيل : الضمير في نوره عائد على سيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم ، وقيل : على القرآن ، وقيل : على المؤمن ، وهذه الأقوال ضعيفة لأنه لم يتقدم ما يعود عليه الضمير ، فإن قيل : كيف يصح أن يقال الله نور السموات والأرض فأخبر أنه هو النور ، ثم أضاف النور إليه في قوله : مثل نوره ، والمضاف عين المضاف إليه؟ فالجواب أن ذلك يصح مع التأويل الذي قدمناه أي الله ذو نور السموات والأرض ، أو كما تقول : زيد كرم ، ثم تقول : ينعش الناس بكرمه (الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ) المصباح هو الفتيل بناره ، والمعنى أنه في قنديل من زجاج لأن الضوء فيه أزهر ، لأنه جسم شفاف (الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ) شبه الزجاجة في إنارتها بكوكب درّي ، وذلك يحتمل معنيين إما أن يريد أنها تضيء بالمصباح الذي فيها ، وإما أن يريد أنها في نفسها شديدة الضوء لصفائها ورقة جوهرها ، وهذا أبلغ لاجتماع نورها مع نور المصباح ، والمراد بالكوكب الدرّي أحد الدراري المضيئة : كالمشتري ، والزهرة ، وسهيل ، ونحوها ، وقيل : أراد الزهرة ، ولا دليل على هذا التخصيص ، وقرأ نافع دري بضم الدال وتشديد الياء بغير همزة ولهذه القراءة وجهان : إما أن ينسب الكوكب إلى الدرّ لبياضه وصفائه ، أو يكون مسهلا من الهمز ، وقرأ [أبو عمرو والكسائي : درّيء] وقرأ حمزة وأبو بكر : درّيء بالهمز وكسر الدال بالهمز وضم الدال ، وهو مشتق من الدرء بمعنى الدفع.
(يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ) من قرأ يوقد (١) بالياء أو توقّد بالفعل الماضي فالفعل مسند إلى المصباح ، ومن قرأ توقد بالتاء والفعل المضارع فهو مسند إلى الزجاجة ، والمعنى : توقد من زيت شجرة مباركة ، ووصفها بالبركة لكثرة منافعها ، أو لأنها تنبت في
__________________
(١). قرأ نافع وابن عامر وحفص : يوقد. وحمزة والكسائي : توقد. وقرأ ابن كثير وأبو عمر : توقّد.