لأبيك» (١) ، واختلف العلماء فيما ذكر في هذه الآية من الأكل من بيوت القرابة فذهب قوم إلى أنه منسوخ ، وأنه لا يجوز الأكل من بيت أحد إلا بإذنه والناسخ قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) ، وقوله عليه الصلاة والسلام : «لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه» (٢) وقيل الآية محكمة ، ومعناها إباحة الأكل من بيوت القرابة إذا أذنوا في ذلك ، وقيل بإذن وبغير إذن (أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ) يعني الوكلاء والأجراء والعبيد الذين يمسكون مفاتح مخازن أموال ساداتهم ، فأباح لهم الأكل منها ، وقيل : المراد ما ملك الإنسان من مفاتح نفسه وهذا ضعيف (أَوْ صَدِيقِكُمْ) الصديق يقع على الواحد والجماعة ، كالعدوّ ، والمراد به هنا جمع ليناسب ما ذكر قبله من الجموع في قوله آبائكم وأمهاتكم وغير ذلك ، وقرن الله الصديق بالقرابة ، لقرب مودّته ، وقال ابن عباس : الصديق أوكد من القرابة.
(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً) إباحة للأكل في حال الاجتماع والانفراد ، لأنّ بعض العرب كان لا يأكل وحده أبدا خيفة من البخل ، فأباح لهم الله ذلك (فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) أي إذا دخلتم بيوتا مسكونة ، فسلموا على من فيها من الناس ، وإنما قال : على أنفسكم بمعنى صنفكم كقوله (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) [الحجرات : ١١] وقيل : المعنى إذا دخلتم بيوتا خالية فسلموا على أنفسكم بأن يقول الرجل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، وقيل : يعني بالبيوت ، المساجد ، والأمر بالسلام على من فيها ، فإن لم يكن فيها أحد فيسلم على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلى الملائكة وعلى عباد الله الصالحين.
(وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ) الآية : الأمر الجامع هو ما يجمع الناس للمشورة فيه ، أو للتعاون عليه. ونزلت هذه الآية في وقت حفر الخندق بالمدينة ، فإن بعض المؤمنين كانوا يستأذنون في الانصراف لضرورة ، وكان المنافقون يذهبون بغير استئذان (لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ) أي لبعض حوائجهم (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ
__________________
(١). رواه ابن ماجة عن جابر والطبراني عن سمرة بن جندب.
(٢). روى أحمد حديثا بمعناه عن أبي حميد الساعدي ج ٥ ص ٤٢٥ ونصّه : لا يحل لامرئ أن يأخذ مال أخيه بغير حقه.