ننقلب إلى الله (أَسْرِ بِعِبادِي) يعني بني إسرائيل (إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) إخبار باتباع فرعون (لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ) الشرذمة الطائفة من الناس ، وفي هذا احتقار لهم على أنه روي أنهم كانوا ستمائة ألف ، ولكن جنود فرعون أكثر منهم بكثير (١) (فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) يعني التي بمصر ، والعيون الخلجان الخارجة من النيل ، وكانت ثم عيون في ذلك الزمان ، وقيل يعني الذهب والفضة وهو بعيد (وَمَقامٍ كَرِيمٍ) مجالس الأمراء والحكام ، وقيل : المنابر ، وقيل : المساكن الحسان (كَذلِكَ) في موضع خفض صفة لمقام أو في موضع نصب على تقدير : أخرجناهم مثل ذلك الإخراج ، أو في موضع رفع على أنه خبر ابتداء تقديره : الأمر كذلك (وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ) أي أورثهم الله مواضع فرعون بمصر ؛ على أن التواريخ لم يذكر فيها ملك بني إسرائيل لمصر ، وإنما المعروف أنهم ملكوا الشام ، فتأويله على هذا أورثهم مثل ذلك بالشام (فَأَتْبَعُوهُمْ) أي لحقوهم ، وضمير الفاعل لفرعون وقومه ، وضمير المفعول لبني إسرائيل (مُشْرِقِينَ) معناه داخلين في وقت الشروق وهو طلوع الشمس ، وقيل : معناه نحو المشرق وانتصابه على الحال.
(تَراءَا الْجَمْعانِ) وزن تراء تفاعل ، وهو منصوب من [الرؤية] ، والجمعان جمع موسى وجمع فرعون ، أي رأى بعضهم بعضا (فَانْفَلَقَ) تقدير الكلام فضرب موسى البحر فانفلق (كُلُّ فِرْقٍ) أي كل جزء منه والطود الجبل ، وروي أنه صار في البحر اثنا عشر طريقا ، لكل سبط من بني إسرائيل طريق (وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ) يعني بالآخرين فرعون وقومه ، ومعنى (أَزْلَفْنا) : قربناهم من البحر ليغرقوا ، وثم هنا ظرف يراد به حيث انفلق البحر وهو بحر القلزم [الأحمر] (ما تَعْبُدُونَ) إنما سألهم مع علمه بأنهم يعبدون الأصنام ليبين لهم أن ما يعبدونه ليس بشيء ، ويقيم عليهم الحجة (قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً) إن قيل : لم صرحوا بقولهم نعبد ، مع أن السؤال وهو قوله : ما تعبدون يغني عن التصريح بذلك ، وقياس مثل هذا الاستغناء بدلالة السؤال كقوله : (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ؟ قالُوا : خَيْراً) ، فالجواب أنهم صرحوا بذلك على وجه الافتخار والابتهاج بعبادة الأصنام ، ثم زادوا قولهم : فنظل لها
__________________
(١). قوله : حاذرون : قرأها نافع وابن كثير وأبو عمرو : حذرون. وهما بمعنى واحد.