الأول إنكار لنعمته وفي الثاني اعتراف بها (قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) لما أظهر فرعون الجهل بالله فقال : وما رب العالمين؟ أجابه موسى بقوله : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، فقال (أَلا تَسْتَمِعُونَ)؟ تعجبا من جوابه فزاد موسى في إقامة الحجة بقوله : (رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) لأن وجود الإنسان وآبائه أظهر الأدلة عند العقلاء وأعظم البراهين ، فإن أنفسهم أقرب الأشياء إليهم فيستدلون بها على وجود خالقهم ، فلما ظهرت هذه الحجة حاد فرعون عنها ونسب موسى إلى الجنون مغالطة منه ، وأيد الازدراء والتهكم في قوله : رسولكم الذي أرسل إليكم فزاد موسى في إقامة الحجة بقوله : (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) ، لأن طلوع الشمس وغروبها آية ظاهرة لا يمكن أحدا جحدها ، ولا أن يدعيها لغير الله ، ولذلك أقام إبراهيم الخليل بها الحجة على نمروذ ، فلما انقطع فرعون بالحجة رجع إلى الاستعلاء والتغلب فهدّده بالسجن ، فأقام موسى عليه الحجة بالمعجزة ، وذكرها له بتلطف طمعا في إيمانه ، فقال : (أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ) والواو واو الحال دخلت عليها همزة الاستفهام وتقديره : أتفعل بي ذلك ولو جئتك بشيء مبين؟ وقد تقدم في الأعراف ذكر العصا واليد ، (فَما ذا تَأْمُرُونَ)؟ و (أَرْجِهْ) ، وحاشرين فإن قيل : كيف قال أولا : إن كنتم موقنين ، ثم قال آخرا (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ)؟ فالجواب أنه لاين أولا طمعا في إيمانهم ، فلما رأى منهم العناد والمغالطة : وبخهم بقوله : إن كنتم تعقلون ، وجعل ذلك في مقابلة قول فرعون : إن رسولكم لمجنون (لِمِيقاتِ يَوْمٍ) هو يوم الزينة (نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ) أي نتبعهم في نصرة ديننا لا في عمل السحر ، لأن عمل السحر كان حراما (بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ) قسم أقسموا به ، وقد تقدم في [الأعراف : ١١٧] تفسير ما يأفكون ، وما بعد ذلك (لا ضَيْرَ) أي لا يضرنا ذلك لأننا