مورد تعظيم الله تعالى ، ويحتمل أن تكون الملائكة هي التي تسمع بأمر الله ، لأن الله لا يوصف بالاستماع ، وإنما يوصف بالسمع والأول أحسن ، وتأويله : أن في الاستماع اعتناء واهتماما بالأمر ليست في صفة سامعون ، والخطاب في قوله : معكم لموسى وهارون وفرعون وقومه ، وقيل : لموسى وهارون خاصة على معاملة الاثنين معاملة الجماعة ، ذلك على قول من يرى أن أقل الجمع اثنان (أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ) إن قيل : لم أفرده وهما اثنان؟ فالجواب من ثلاثة أوجه : الأول أنّ التقدير كل واحد منا رسول. الثاني : أنهما جعلا كشخص واحد لاتفاقهما في الشريعة ، ولأنهما أخوان فكأنهما واحد. الثالث : أنّ رسول هنا مصدر وصف به ، فلذلك أطلق على الواحد والاثنين والجماعة ، فإنه يقال رسول بمعنى رسالة ، بخلاف قوله إنا رسولا فإنه بمعنى الرسل ، (أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) أي أطلقهم (قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً) قصد فرعون بهذا الكلام المنّ على موسى والاحتقار له.
(وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) قصد فرعون بهذا الكلام توبيخ موسى عليهالسلام ، ويعني بالفعلة : قتله للقبطي ، والواو في قوله وأنت إن كانت للحال فقوله من الكافرين ، معناه كافرا بهذا الدين الذي جئت به لأن موسى إنما أظهر لهم الإسلام بعد الرسالة ، وقد كان قبل ذلك مؤمنا ، ولم يعلم بذلك فرعون ، وقيل : معناه من الكافرين بنعمتي ، وإن كانت الواو للاستئناف : فيحتمل أن يريد من الكافرين بديني ، ومن الكافرين بنعمتي (قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) القائل هنا هو موسى عليهالسلام ، والضمير في قوله : فعلتها لقتله القبطي ، واختلف في معنى قوله : من الضالين ، فقيل : معناه من الجاهلين بأن وكزتي تقتله ، وقيل : معناه من الناسين ، فهو كقوله : «أن تضل إحداهما» وقوله «إذا» صلة في الكلام ، وكأنها بمعنى حينئذ ، قال ذلك ابن عطية (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ) أي من فرعون وقومه ، ولذلك جمع ضمير الخطاب بعد أن أفرده في قوله («تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ» وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) معنى عبّدت : ذللت واتخذتهم عبيدا ، فمعنى هذا الكلام أنك عددت نعمة عليّ تعبيد بني إسرائيل ، وليست في الحقيقة بنعمة إنما كانت نقمة ، لأنك كنت تذبح أبناءهم ، ولذلك وصلت أنا إليك فربيتني ، فالإشارة بقوله : تلك إلى التربية ، وأن عبدت في موضع رفع عطف بيان على تلك ، أو في موضع نصب على أنه مفعول من أجله ، وقيل : معنى الكلام تربيتك نعمة علي لأنك عبدت بني إسرائيل وتركتني فهي في المعنى