وأمّا الدليل الثالث أجيب عنه :
أولا : انّ مفاد الآيات الشريفة ارشاد الى حكم العقل بوجوب تحصيل العلم بالمؤمن من العقاب ، وعدم جواز الاكتفاء بالظنّ به ، بملاك وجوب دفع الضرر المحتمل إن كان أخرويا ، فلا دلالة لها على عدم حجية الخبر أصلا.
وثانيا : انّه على تقدير تسليم انّ مفادها الحكم المولوي ، وهو حرمة العمل بالظنّ كانت أدلة حجيّة الخبر حاكمة على تلك الآيات ، فانّ مفادها جعل الخبر طريقا بتتميم الكشف ، فيكون خبر الثقة علما بالتعبّد الشرعي ، ويكون خارجا عن الآيات الناهية عن العمل بغير العلم موضوعا.
هذا بناء على أنّ المجعول في باب الطرق والامارات هي الطريقية ... وأمّا بناء على أنّ المجعول هو الحكم الظاهري مطابقا لمؤدّى الامارة وانّ الشارع لم يعتبر الامارة علما ، فانّ النسبة بينها وبين الآيات هي العموم المطلق ، إذ مفاد الآيات عدم حجيّة غير العلم من خبر الثقة وغيره في أصول الدين وفروعه ، فتكون أدلة حجية خبر الثقة أخصّ منها ، وبالجملة فانّ أدلة حجّية خبر الثقة متقدمة على الآيات الشريفة امّا بالحكومة أو بالتخصيص (١).
أدلة المجوّزين للعمل بالخبر الواحد :
استدلّ القائلون بحجيّة الخبر أيضا بأمور :
الأول : آية النبأ وهي قوله تعالى : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ)(٢).
تقريب الاستدلال بهذه الآية بوجوه :
الأول : قال المحقق الأنصاري ما ملخّصه :
انّ خبر الفاسق له جهتان الأول : جهة ذاتيّة ، وهي كونه خبر الواحد ، فالواحدية
__________________
(١) مصباح الأصول لسيد سرور ٢ : ١٥٢.
(٢) سورة الحجرات (٤٩) : ٦.