فقد علم ممّا ذكر : انّ العلوم الاسلامية هي ما يتوقّف عليها حفظ النظام ، وما يوجب تقدّم المجتمع الاسلامي.
ومن أجل ذلك وجدت الثقافة الاسلامية في مختلف العصور ، وكانت هذه العلوم موضع اهتمام ورعاية أبناء الاسلام ، ولو نظرنا الى ما جاء في التعلّم والتعليم من الترغيب والفضيلة ، لوجدنا انّ الاسلام قد ارتفع بهذه المسألة حتى عدّها من الفرائض : فقد حثّ الاسلام أبناءه على طلب العلم بشتى الوسائل ومهما كانت المشقّات ، كمشقة السفر الى البلاد البعيدة وغير ذلك.
فها هو الرسول الأكرم «ص» يطالبنا بأحاديثه الشريفة في هذا الباب فيقول : «أطلب العلم ولو بالصين» ويقول : «طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة».
وممّا يمتاز به الاسلام السماح لأبنائه في تحصيل ما يحتاجون إليه من العلوم بصرف النظر عن مصادر تلك العلوم من جهة كونها اسلامية أو غيرها.
ولذا نرى انّ الثقافة الاسلامية قد أخذت من الثقافات الأخرى واستخدمتها ، دون ما مسّ باستقلال الثقافة الاسلامية ، بل على العكس أضفت الثقافة الاسلامية صبغتها على ما أخذته من الثقافات الأخرى ، وعكست صورتها على جميع ما استخدمه أبناء الاسلام من الثقافات القائمة آنذاك كالثقافة الهنديّة واليونانيّة والإيرانيّة وغيرها.
ولذا نجد انّ المحقّقين المنصفين في الشرق والغرب قد اعترفوا بأنّ الثقافة الاسلامية تعدّ من أوسع الثقافات العالمية القائمة.
ونحن ما قمنا بهذا البحث إلّا لدراسة جانب من الثقافة الاسلامية التي قامت على أكتاف أصحابنا من علماء المذهب الإمامي ذلك هو «علم أصول الفقه» ، وبما انّ بحث ودراسة جميع العلوم الاسلامية يحتاج الى لجان متعددة تصبّ فيها طاقات كثيرة ومختلفة.
لذا اختصرنا في دراستنا هذه على علم أصول الفقه من بين تلك العلوم الجمّة ، وفي هذه الحلقة من البحث نقدّم :
١ ـ نشوء هذا العلم وظروف تأسيسه.
٢ ـ المدارس الكبيرة وأعظم الشخصيات المعروفة الذين كان لهم دور في تطوير هذا العلم ، وقد أرجأنا دراسة تطوّر مباني هذا العلم الى الحلقة الثانية إن شاء الله.
وبناء على قلة الذين بحثوا في هذا الموضوع ودرسه فقد تحمّلنا صعوبة هذا البحث مستمدّين من الله العون والتوفيق.
قم المقدّسة : علي الفاضل القائني النجفي
٢٧ رجب ١٤٠٣ ه