التفاعل اثرا خاصا لتطوّر نفس القواعد وتحكيم أسسها (١).
٢ ـ ومن الظواهر الملموسة في هذا الدور الوقوف النسبي لعلم الأصول ، فانّه لم يمض المجدد العظيم محمد بن الحسن الطوسي «قدس سرّه» حتى قفز بالبحوث الأصولية ، وبحث التطبيق الفقهي قفزة كبيرة ، ولأجل ذلك خلّف تراثا ضخما في الأصول يتمثّل في كتاب «العدة» ، وتراثا ضخما في التطبيق الفقهي يتمثّل في كتاب المبسوط.
ولكن هذا التراث الضخم وهذا التقدّم العظيم توقّف عن النمو بعد وفاة الشيخ المجدد طيلة قرن كامل في المجالين الفقهي والأصولي على السواء.
٣ ـ الظاهرة الثالثة التي يجدها الباحث في هذه المدرسة هي «تجدد الحركة والبحث العلمي».
فانّه ما انتهت مائة عام حتى دبّت الحياة من جديد في البحث الفقهي والأصولي على الصعيد الامامي.
وكانت بداية انبعاث الفكر العلمي والتحرّك الجديد عن دور التوقّف النسبي على يد الفقيه المبدع محمد بن أحمد بن ادريس المتوفى سنة (٥٩٨) ه ، إذ بثّ في الفكر العلمي روحا جديدة ، وأولد حركة مبكرة ، حتى وصلت الحركة العلمية الى المستوى الذي يصلح للتفاعل مع آراء الشيخ الطوسي ومحاكمتها ، واستمرت الحركة العلمية في عصر ابن ادريس تنمو وتتّسع ، وقد ظلّ النمو العلمي في مجالات البحث الأصولي الى آخر القرن العاشر ، وكان الممثل الأساسي له في أواخر هذا القرن الحسن بن زين الدين الشامي صاحب المعالم المتوفى سنة (١٠١١) وترى كتابه «المعالم» يمثّل الصورة العالية لعلم الأصول في عصره ، بتعبير سهل ، وتنظيم جديد ، وكانت نتيجة هذه الأمور أن حصل لهذا الكتاب الشأن الكبير في عالم البحوث الأصولية ، حتى
__________________
(١) حول هذه الخصوصية كلام للشيخ مهدي الآصفي إليك نصّ عبارته : وظاهرة أخرى من ملامح هذا العصر هو تفريع المسائل الفقهية واستحداث فروع جديدة لم تتعرض لها نصوص الروايات ، وكان البحث الفقهي ـ فيما سبق هذا الدور ـ لا يتجاوز حدود بيان الحكم الشرعي باستعراض الروايات الواردة في الباب .... وربّما يصحّ أن نقول : انّ الشيخ الطوسي كان أوّل من قام بهذه التجربة في كتابه المبسوط ، فقد ذكر في أوّل الكتاب انّ الذي دعاه الى تصنيفه : انّ الامامية لم يكونوا يفرعون الفروع الى زمانه ، وكانوا يقفون عند النصوص التي وصلت اليهم عن المتقدمين من المحدثين ، وكان ذلك من دوافع الطعن عن الفقه الجعفري.
فقام (يقصد بالشيخ الطوسي) بهذه المحاولة لسدّ هذا الفراغ في البحث الفقهي. «مقدمة اللمعة» «٦٢ ـ ٦٣».