تعتبر تلك المدرسة معهدا للدراسات الاسلامية العالية في حقول الفقه والأصول والتفسير والفلسفة الاسلامية ـ المتبنّية على أسس فكرية متخذة من مدرسة أهل البيت «ع» ـ وما يتصل بذلك من شئون العقيدة والفكر الاسلامي الذي يناسب المعهد الامامي.
وبعد أن انتقل الشيخ الطوسي الى النجف واستقرّ فيها التفّ حوله جمع من الطلبة والعلماء ، وأخذ يؤمّ المدرسة الحديثة عدد كبير من رواد العلم والفضيلة ويقطعون في سبيل الوصول اليها ، والتروي من منهلها العذب المسافات الشاقة وليتزوّدوا بزاد العلم والمعرفة ، من هذه المدرسة المجاورة لقبر الأمير «ع» ويستمدّوا العون من صاحبها ، فيعودوا بعد ذلك الى بلادهم وقومهم وينشروا الأفكار والمعارف التي تزوّدوا بها ووعوها وليكونوا خير دعاة لها.
ومن ذلك الحين ارتاد النجف الأشرف القوميات المختلفة ، فكانت مدرسة النجف ملتقى البعثات العلمية التي تقصدها من نقاط بعيدة من الشرق والغرب ، وكم لهذا الملتقى والاحتكاك العلمي الملائم والحسن من تأثير على تقدّم العلم وتطوير الثقافة الاسلامية ، إذ تحمل كلّ طائفة تتوجه الى مدرسة النجف ذهنيتها القومية الخاصة بها ، وما تحمل من تجارب فكرية على صعيد الحياة الدراسية في المدرسة النجفية ، وتنسجم في حياة فكرية مؤتلفة تجمعها وحدة الهدف ووحدة البيئة ، فكان هذا الجمع الظريف في هذه المدرسة يهيّئ آفاقا فكرية واسعة في التفكير والصياغة والتعبير والأدب والنتاج الفكري الناشئ في جوّ ملائم بعيد عن التشاغب والغوغائية والتي تتصل بأكثر من تجربة فكرية ، والممثلة لأكثر من ذهنية واحدة.
والمدرسة القائمة على مثل هذه الأسس الفكرية تملك من عناصر المرونة والبقاء ما لا تملكه أيّ ثقافة ونتاج علمي آخر في كثير من الأحوال.
ومن هذه المدرسة منذ عصر الطوسي الذي وضع حجرها الأساس وفي سائر العصور المتأخرة انتشرت حلقات الدرس والبحث ، وتفرّغ العلماء والباحثون للبحث والتحقيق في شئون الفكر الاسلامي وتظافرت الجهود الجبّارة المخلصة في جميع هذه المجالات ، كما انّه من الطبيعي في معهد عظيم كمدرسة النجف أن تتشعّب الدراسة