وبعد ارتحال الشيخ الأنصاري في عام (١٢٨١) غادر العراق وهبط طهران العاصمة ، وأصبح الزعيم الديني بها ، واشتهر أمره فاجتمع حوله الطلبة من جميع البلدان للدراسة وعلّم مباني أستاذه في الأصول والفقه التي تلقّاها منه ، وكان يؤديها ببيان واف لا سيّما في حلّ مشكلات «الرسائل». وقال المحقق الطهراني : ثنيت له الوسادة ، وسمت مكانته ، وهو أول ناشر لتحقيقات الشيخ الأنصاري في ايران ، ولذا شدّت اليه الرحال من كلّ ناحية ، وعكف عليه طلبة العلم أيّما عكوف ، وكان حسن التقرير ، لطيف التعبير ، عظم شأنه في ايران ، وانحصرت به الزعامة ، وحصل له تفوّق على علماء سائر البلاد الايرانية.
وفي عام الدخانية التي أعطى فيها السلطان ناصر الدين شاه القاجاري امتياز الدخانيات لانگلترا ، خالفه المترجم فيها ، فزادت سطوته في نظر الأشراف والأعيان ، وحجّ البيت في (١٣١١) في غاية التجليل والإعظام ، وقضى عمره الشريف بالكرامة والاكبار مشغولا بالتدريس والتأليف والقيام بسائر وظائف الشرع في طهران الى أن توفي بها ، وحمل الى النجف الأشرف ، فدفن في مقبرة الشيخ جعفر التستري في (١٣١٩) ، وقال في وصف كتابه بحر الفوائد : له حاشية كبيرة على كتاب الرسائل لأستاذه سمّاها بحر الفوائد ، ألّفها في النجف ، ولمّا عاد الى طهران هذّبها ونقّحها وطبعها ، وألّف على الرسائل ما يقارب أربعين حاشية أغزرها مادة وأكثرها نفعا حاشية المترجم (١).
من مواقف علمائنا (قدّس الله أسرارهم) الجبّارة في وجه الحكّام موقف المرزا الشيرازي في تحريم التنباك ، ولمّا ثار الشعب بقيادة رجال الدين وعلماء البلاد متأثرين بفتوى مرجع الشيعة التي لم تكن أكثر من سطر واحد ، فأوجب هذا القيام العام لإلغاء تلك المعاهدة ، وشارك شيخنا الآشتياني المجدد الشيرازي وعاضده في توعية الشعب ، فأبعد عن طهران بتصوّر من الحكومة انّ القبض على أمثال شيخنا المترجم توجب ايقاف ثورة الشعب المسلم ، لكن أصبح الأمر على عكس ما كانت
__________________
(١) نقباء البشر ق ١ / ٣٩٠ من طبقات أعلام الشيعة.