عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ) أهلك أنفسهم وأولادهم وأموالهم (وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها) (١٠) أي أمثال عاقبة من قبلهم (ذلِكَ) أي نصر المؤمنين وقهر الكافرين (بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى) وليّ ناصر (الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) (١١) (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ) في الدنيا (وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ) أي ليس لهم همة إلا بطونهم وفروجهم ولا يلتفتون إلى الآخرة (وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) (١٢) أي منزل ومقام ومصير (وَكَأَيِّنْ) وكم (مِنْ قَرْيَةٍ) أريد بها أهلها (هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ) مكة أي أهلها (الَّتِي أَخْرَجَتْكَ) روعي لفظ قرية (أَهْلَكْناهُمْ) روعي معنى قرية الأولى (فَلا
____________________________________
سكن وهجها واضمحلت شهوتها ، فإذا دام ذلك ، حسن حالها ، وصارت جميلة الأخلاق مطمئنة بخالقها ، نسأل الله أن يملكنا نفوسنا ، ولا يسلطها علينا.
قوله : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا) الهمزة داخلة على محذوف ، والفاء عاطفة عليه ، والتقدير : أجبنوا وتركوا السير فلم يسيروا. قوله : (دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ) المفعول محذوف قدره المفسر بقوله : (أنفسهم) الخ. قوله : (وَلِلْكافِرِينَ) أي السائرين على قدم من قبلهم من الكفار ، وقوله : (أَمْثالُها) مقابلة الجمع تقتضي القسمة على الآحاد ، أي إن لكل واحد من هؤلاء الكفار ، عاقبة كعاقبة من تقدمه من الكفار أو أشد ، وذلك لأن النبي صلىاللهعليهوسلم أفضل من جمع الأنبياء ، وشرعه جامع لجميع الشرائع ، فالكفر به وبشرعه ، كفر بجميع الشرائع ، فيسبب ذلك عظم عذاب الكافر به. قوله : (وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) أي لا ناصر لهم ولا معين ولا مغيث ، وأما قوله تعالى : (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ) فالمراد بالمولى المالك ، فلم يحصل تناف.
قوله : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا) الخ ، بيان لثمرة ولايته تعالى للمؤمنين في الآخرة. قوله : (كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ) الكاف في محل نصب ، إما نعت لمصدر محذوف ، أي أكلا مثل أكل الأنعام ، أو حال ، أي أكلا حال كونه مثل أكل الأنعام. قوله : (وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) مبتدأ أو خبر.
قوله : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ) الخ ، (كَأَيِّنْ) مركبة من الكاف ، وأين بمعنى كم الخبرية ، وهي في محل رفع مبتدأ ، و (مِنْ قَرْيَةٍ) تمييز لها ، وقوله : (هِيَ أَشَدُّ) صفة لقرية ، وقوله : (الَّتِي أَخْرَجَتْكَ) صفة ل (قَرْيَتِكَ) وقوله : (أَهْلَكْناهُمْ) خبر المبتدأ ، وسبب نزول هذه الآية ، أنه لما خرج صلىاللهعليهوسلم من مكة إلى الغار ، التفت إلى مكة وقال : «أنت أحب بلاد الله إلى الله ، وأحب بلاد الله إليّ ، ولو أن المشركين لم يخرجوني ، لم أخرج منك» فنزلت هذه الآية تسلية له صلىاللهعليهوسلم ، والمعنى : لا تحزن على خروجك من بلدك ، فإن الله يعزك ويذلهم ، فليس خروجك من مكة ، إلا كخروج آدم من الجنة ، من حيث إنه حصل له العز العظيم ، وحصل لإبليس الذي تسبب في إخراجه الخزي العظيم. قوله : (أريد أهلها) أي فهو مجاز في الظرف ، حيث أطلق المحل ، وأريد الحال فيه ، لا مجاز بالحذف. قوله : (الَّتِي أَخْرَجَتْكَ) هذا الوصف للاحتراز عن قريته التي تكون وطنه فيما يستقبل وهي المدينة. قوله : (أَهْلَكْناهُمْ) أي فكذلك نفعل بأهل قريتك ، فاصبر كما صبر رسل أهل تلك القرى. قوله : (فَلا ناصِرَ لَهُمْ) تفريع على قوله : (أَهْلَكْناهُمْ).