(لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) كالمؤمنين المذكورين (لَوْ تَزَيَّلُوا) تميزوا عن الكفار (لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ) من أهل مكة حينئذ بأن نأذن لكم في فتحها (عَذاباً أَلِيماً) (٢٥) مؤلما (إِذْ جَعَلَ) متعلق بعذبنا (الَّذِينَ كَفَرُوا) فاعل (فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ) الأنفة من الشيء (حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ) بدل من الحمية وهي صدهم النبي وأصحابه عن المسجد الحرام (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) فصالحوهم على أن يعدوا من قابل ، ولم يلحقهم من الحمية ما لحق
____________________________________
قوله : (لِيُدْخِلَ اللهُ) الخ ، علة لما قدره المفسر بقوله : (لكن لم يؤذن). قوله : (كالمؤمنين المذكورين) أي وكالمشركين ، لأنه آل أمر أهل مكة إلى الإسلام إلا ما قل. قوله : (تميزوا) أي تفرقوا وانفردوا ، ولكن لم يتميزوا ، بل اختلط المستضعفون بالمشركين ، والأصول المشركون بالفروع المسلمين ، كالذراري الّذين علم الله إسلامهم ، فلم يحصل العذاب. قوله : (الأنفة) بفتحتين أي الكبر. قوله : (حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ) بدل من الحمية قبلها ، وهي فعيلة مصدر يقال : حميت من كذا حمية ، وحمية الجاهلية عدم الإذعان للحق ونصرة الباطل.
قوله : (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ) معطوف على شيء مقدر ، أي فضاقت صدور المسلمين ، واشتد الكرب عليهم ، (فَأَنْزَلَ) الخ ، روي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما نزل الحديبية ، بعثت قريش سهل بن عمرو القرشي وحويطب بن عبد العزى ومكرز بن حفص بن الأحنف ، على أن يعرضوا على النبي صلىاللهعليهوسلم أن يرجع من عامه ذلك ، على أن تخلي له قريش مكة من العام القابل ثلاثة أيام ، ففعل ذلك ، وكتبوا بينهم كتابا ، فقال عليه الصلاة والسّلام لعلي رضي الله عنه : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، فقالوا : ما نعرف هذا ، اكتب باسمك اللهم ، ثم قال اكتب : هذا ما صالح عليه محمد رسول الله صلىاللهعليهوسلم أهل مكة ، فقالوا : لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت وما قاتلناك ، اكتب : هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله أهل مكة ، فقال صلىاللهعليهوسلم اكتب ما يريدون ، فهم المؤمنون أن يأبوا ذلك ويبطشوا بهم ، فأنزل الله السكينة عليهم ، فتوقروا وحلموا. قوله : (على أن يعودوا من قابل) أي وعلى وضع الحرب عشر سنين ، قال البراء : صالحوهم على ثلاثة أشياء : على أن من أتاهم من المشركين مسلما ردوه إليهم ، ومن أتاهم من المسلمين لم يردوه ، وعلى أن يدخلها من قابل ، ويقيم فيها ثلاثة أيام ، ولا يدخلها بسلاح ، فكتب بذلك كتابا ، فلما فرغ من قضية الكتاب قال لأصحابه : قوموا وانحروا ثم احلقوا ، فو الله ما قام منهم أحد ، حتى قال ذلك ثلاث مرات ، فلما لم يقم منهم أحد ، لما حصل لهم من الغم ، قام فدخل على أم سلمة ، فذكر لها ما لقي من الناس ، فقالت له : يا نبي الله ، اخرج ولا تكلم أحدا منهم حتى تنحر بدنك ، وتدعو حالقك فيحلقك ، فخرج ففعل ، فلما رأوا ذلك منه قاموا فنحروا ، وجعل يحلق بعضهم بعضا وروى ثابت عن أنس ، أن قريشا صالحوا النبي صلىاللهعليهوسلم واشترطوا أن من جاء منكم لم نرده عليكم ، ومن جاء منا ردوه علينا ، فقالوا : يا رسول الله أتكتب هذا؟ قال : نعم ، إن من ذهب منا إليهم فأبعده الله ، ومن جاءنا منهم ، فسيجعل الله له فرجا ومخرجا. روي أنه بعد عقد الصلح ، جاء جندل بن سهل بن عمرو بقيوده قد انفلت ، وخرج من أسفل مكة ، حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين ، فقال له سهل : هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن ترده إليّ ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : إنا لم نقض الكتاب بعد ، قال : فو الله إذا لا أصالحك على