اتخاذهم الأصنام آلهة قربانا (إِفْكُهُمْ) كذبهم (وَما كانُوا يَفْتَرُونَ) (٢٨) يكذبون ، وما مصدرية أو موصولة ، والعائد محذوف أي فيه (وَ) اذكر (إِذْ صَرَفْنا) أملنا (إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِ) جن نصيبين باليمن أو جن نينوى ، وكانوا سبعة أو تسعة ، وكان صلىاللهعليهوسلم ببطن نخل يصلي بأصحابه الفجر
____________________________________
أعاريب ، ويصح أن يكون (آلِهَةً) الثاني و (قُرْباناً) حال أو مفعول من أجله. قوله : (بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ) إضراب انتقالي من نفي الدفع عنهم ، إلى غيبتها عنهم بالكلية ، والمعنى : لم يحضروا عندهم فضلا عن كونهم يدفعون عنهم العذاب. قوله : (إِفْكُهُمْ) قرأ العامة بكسر الهمزة وسكون الفاء ، مصدر أفك يأفك إفكا ، وقرىء شذوذا بفتح الهمزة ، وهو مصدر له أيضا ، وبفتحات فعلا ماضيا. قوله : (وما مصدرية) أي وافتراؤهم وهو الأحسن لتناسب المعطوفين. قوله : (أي فيه) أي فحذف الجار فاتصل الضمير ثم حذف ، لو قال : أي يفترونه لكان أوضح.
قوله : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِ) أي اذكر يا محمد لقومك قصة صرفنا إليك نفرا من الجن ، ليعتبروا بأن رسالتك عامة ، للإنس والجن والملائكة وجميع الخلق ، لكن إرساله للإنس والجن إرسال تكليف إجماعا ، وإرساله للملائكة قيل إرسال تكليف بما يليق بهم ، وقيل إرسال تشريف ، وارساله لما عداهم من الحيوانات الغير العاقلة والجمادات ارسال تشريف ورحمة. قوله : (نَفَراً) النفر بفتحتين ، والنفر والنفير من ثلاثة رجال إلى عشرة. قوله : (نصيبين) أي وهي قرية باليمن. قوله : (أو جن نينوى) بنون مكسورة فياء ساكنة ، فنون مضمومة أو مفتوحة ، فواو فألف مقصورة ، هي قرية يونس عليهالسلام قرب الموصل. قوله : (وكان صلىاللهعليهوسلم ببطن نخل) الصواب أن يقول : وكان ببطن نخلة لأنه هو الذي في طريق الطائف ، وأما بطن نخل ، فهو المكان الذي صلى فيه صلاة الخوف ، وهو على مرحلتين من المدينة. قوله : (يصلي بأصحابه الفجر) فيه شيء ، إذ لم يثبت أنه كان معه من الصحابة إلا زيد بن حارثة ، وهذه الواقعة كانت قبل فرض الصلوات ، فالصواب أن يقول : كان يصلي في جوف الليل ، وعبارة المواهب : ثم خرج عليهالسلام إلى الطائف ، بعد موت خديجة بثلاثة أشهر ، في ليال بقين من شوال سنة عشر من النبوة ، لما ناله من قريش بعد موت أبي طالب ، وكان معه زيد بن حارثة ، فأقام به شهرا يدعو أشراف ثقيف إلى الله تعالى ، فلم يجيبوه وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ، ولما انصرف عليهالسلام عن أهل الطائف راجعا إلى مكة ، نزل نخلة وهو موضع على ليلة من مكة ، صرف إليه سبعة من جن نصيبين ، وكان عليهالسلام قد قام في جوف الليل يصلي الخ. واعلم أن العلماء ذكروا في سبب هذه الواقعة قولين : أحدهما : أن الجن كانت تسترق السمع ، فلما رجموا ومنعوا من السماء حين بعث النبي صلىاللهعليهوسلم قالوا : ما هذا إلا شيء حدث في الأرض ، فذهبوا فيها يطلبون السبب ، وكان قد اتفق أن النبي صلىاللهعليهوسلم في الحادية عشرة من النبوة ، لما أيس من أهل مكة ، خرج إلى الطائف يدعوهم إلى الإسلام ، فلم يجيبوه ، فانصرف راجعا إلى مكة ، فقام ببطن نخل يقرأ القرآن ، فمر به نفر من جن نصيبين ، كان إبليس قد بعثهم يطلبون السبب الذي أوجب حراسة السماء بالرجم بالشهب ، فسمعوا القرآن فعرفوا أن ذلك هو السبب ، وعليه فلم يكن اجتماعه بالجن مقصودا للإرسال. ثانيهما : أن الله أمر رسوله صلىاللهعليهوسلم أن ينذر الجن ، ويدعوهم إلى الله ، ويقرأ عليهم القرآن ، فصرف الله إليه نفرا منهم يستمعون القرآن وينذرون قومهم ، وذلك لأن الجن مكلفون ، لهم الثواب ، وعليهم العقاب ، ويدخلون الجنة ، ويأكلون فيها ويشربون كالانس ، فانتهض النبي صلىاللهعليهوسلم