(فَاصْبِرْ) على أذى قومك (كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ) ذوو الثبات والصبر على الشدائد (مِنَ الرُّسُلِ) قبلك فتكون ذا عزم ، ومن للبيان ، فكلهم ذوو عزم ، وقيل للتبعيض فليس منهم آدم لقوله تعالى : (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) ولا يونس لقوله تعالى : (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) لقومك نزول العذاب بهم : قيل : كأنه ضجر منهم فأحب نزول العذاب بهم ، فأمر بالصبر وترك الاستعجال للعذاب فإنه نازل بهم لا محالة (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ) من العذاب في الآخرة لطوله (لَمْ يَلْبَثُوا) في الدنيا في ظنهم (إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ) هذا القرآن
____________________________________
(فَاصْبِرْ) الخ ، هذا تسلية له صلىاللهعليهوسلم ، والصبر : تلقي الشدائد بالرضا والتسليم. قوله : (كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ) الكاف بمعنى مثل ، صفة لمصدر محذوف ، وما مصدرية ، والتقدير : صبر أولي العزم. قوله : (فكلهم ذو عرم) أي حزم وكمال وثبات وصبر على الشدائد ، قوله : (وقيل) هي للتبعيض في كلامه ؛ اشارة لقولين في تفسير أولي العزم ، من جملة أقوال شتى ، وقيل : هم نجباء الرسل المذكورون في سورة الأنعام ثمانية عشر : إبراهيم واسحاق ويعقوب ونوح وداود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وزكرياء ويحيى وعيسى وإلياس وإسماعيل واليسع ويونس ولوط. وقيل : هم اثنا عشر نبيا ، أرسلوا إلى بني اسرائيل بالشام فعصوهم ، فأوحى الله إلى الأنبياء : إني مرسل عذابي إلى عصاة بني اسرائيل ، فشق ذلك على المرسلين ، فأوحى الله إليهم : اختاروا لأنفسكم ، إن شئتم أنزلت بكم العذاب وأنجيت بني اسرائيل ، وإن شئتم أنجيتم وأنزلت العذاب ببني اسرائيل ، فتشاوروا بينهم فاجتمع رأيهم على أن ينزل بهم العذاب ، وينجي الله بني اسرائيل ، فأنجى الله بني اسرائيل ، وأنزل العذاب بأولئك الرسل ، وذلك أنه سلط عليهم ملوك الأرض ، فمنهم من نشر بالمناشير ، ومنهم من سلخ جلدة رأسه ووجهه ، ومنهم من صلب على الخشب حتى مات ، ومنهم من أحرق بالنار. وقيل : أولو العزم أربعة : إبراهيم صبر على فقد نفسه وذبح ولده. وموسى صبر على أذى قومه ، ووثق بربه حين قال له قومه : إنا لمدركون ، فقال : كلا إن معي ربي سيهدين. وداود صبر على البكاء من أجل خطيئته ، حتى نبت من دموعه الشجر ؛ فقعد تحت ظله. وعيسى لم يضع لبنة على لبنة وقال : إنها معبرة فاعبروها ولا تعمروها. فكأن الله تعالى يقول لنبيه : كن صادقا واثقا بربك ، مهتما بما سلف منك ، زاهدا في الدنيا ، وقيل : أولو العزم خمسة : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلىاللهعليهوسلم وهو المعتمد ، لأنهم أصحاب الشرائع. قوله : (ولم نجد له عزما) أي تاما ، لأن ارادتنا أكله من الشجرة ؛ غلبت ارادته عدم الأكل منها ؛ وإلا فكل نبي صاحب عزم ؛ غير أنهم يتفاوتون فيه على حساب مراتبهم ، قال تعالى : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ).
قوله : (وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) أي لأجلهم ، والمفعول محذوف قدره المفسر بقوله : (نزول العذاب). قوله : (قيل كأنه ضجر) الخ ، المناسب حذف كان كما في عبارة غيره. قوله : (فإنه نازل بهم) أي ولو في الآخرة. قوله : (يَوْمَ يَرَوْنَ) ظرف لقوله : (لَمْ يَلْبَثُوا) الخ. قوله : (لطوله) تعليل لقوله : (لَمْ يَلْبَثُوا) مقدم عليه. قوله : (إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ) أي لأن ما مضى عليهم من الزمان ، كأنهم لم يروه