تَكُنْ آياتِي) أي القرآن (تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ) تكبرتم (وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ) (٣١) كافرين (وَإِذا قِيلَ) لكم أيها الكفار (إِنَّ وَعْدَ اللهِ) بالبعث (حَقٌّ وَالسَّاعَةُ) بالرفع والنصب (لا رَيْبَ) شك (فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ) ما (نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا) قال المبرد : أصله إن نحن إلا نظن ظنا (وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) (٣٢) أنها آتية (وَبَدا) ظهر (لَهُمْ) في الآخرة (سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) في الدنيا أي جزاؤها (وَحاقَ) نزل (بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٣٣) أي العذاب (وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ) نترككم في النار (كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) أي تركتم العمل للقائه
____________________________________
يدخل الجنة ، لكن لا مع السابقين ، بل إما بعد الحساب ، أو بعد الشفاعة ، فلا يقال : إن التقييد بالعمل الصالح ، يخرج من مات على الإيمان ولم يعمل صالحا. قوله : (جنته) إنما فسر العام بالخاص ، لأن الجنة أثر الرحمة التي تستقر الخلائق فيها ، وتوصف بالدخول فيها دون غيرها من آثار الرحمة. قوله : (الْفَوْزُ) أي بلوغ الآمال والظفر بالمقصود. قوله : (الْمُبِينُ) أي الخالص من الشوائب. قوله : (فيقال لهم) قدره إشارة إلى أن جواب إما محذوف.
قوله : (أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي) إلخ ، الهمزة داخلة على محذوف ، والفاء عاطفة عليه ، أي أتركتم الإيمان بالرسل فلم تكن إلخ. قوله : (وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) هذا من جملة ما يقال لهم ، وحينئذ فيصير المعنى : وكنتم إذا قيل لكم إن وعد الله حق ، إلخ. قوله : (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) بكسر (إِنَ) في قراءة العامة لحكايتها بالقول ، وقرىء شذوذا بفتحها ، إجراء للقول مجرى الظن في لغة سليم. قوله : (بالرفع والنصب) أي فهما قراءتان سبعيتان ، فالرفع على الابتداء ، وجملة (لا رَيْبَ فِيها) خبره ، والنصب عطفا على اسم (إِنَّ).
قوله : (ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ) هذا على سبيل الاستغراب والاستبعاد. قوله : (إن نظن إلا ظنا) إن قلت : ما الجمع بين ما هنا وما تقدم في قوله : (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) فإن ما تقدم أثبت أنهم جازمون بعدم البعث ، وهنا أفاد أنهم شاكون فيه ، ويمكن الجواب بأن الكفار لعلهم افترفوا فرقتين : فرقة جازمة بنفي البعث وفرقة متحيرة فيه. قوله : (قال المبرد) إلخ ، جواب عما يقال : إن ظاهر الآية وقوع المفعول المطلق استثناء مفرغا ، مع أن المقرر في النحو ، أنه يجوز تفريغ العامل لما بعده من جميع المعمولات ، إلا المفعول المطلق ، فلا يقال : ما ضربت إلا ضربا لاتحاد مورد النفي والإثبات ، لأنه يصير في قوة ما ضربت إلا ضربت ، ولا فائدة في ذلك ، فأجاب المفسر : بأن الآية مؤولة بأن مورد النفي محذوف تقديره (نَحْنُ) ، ومورد الإثبات كونه نظن ظنا ، فكلمة (إِلَّا) مؤخر من تقديم ، والمعنى حصر أنفسهم في الظن ونفي ما عداه.
قوله : (وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) مبالغة في نفي ما عدا الظن عنهم. قوله : (أي جزاؤها) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف. قوله : (نترككم في النار) أشار بذلك إلى أن المراد من النسيان الترك مجازا ، لأن الترك مسبب عن النسيان ، فإن من نسي شيئا تركه ، فسمي السبب باسم المسبب ، لاستحالة حقيقة النسيان عليه تعالى. قوله : (أي تركتم العمل للقائه) أشار بذلك إلى أنه من اضافة المصدر إلى ظرفه على حد مكر الليل ، وفي الكلام حذف قدره المفسر بقوله : (العمل) والمعنى : تركتم العمل للقاء الله