(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) يبدل منه (يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ) (٢٧) الكافرون أي يظهر خسرانهم بأن يصيروا إلى النار (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ) أي أهل دين (جاثِيَةً) على الركب أو مجتمعة (كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا) كتاب أعمالها ويقال لهم (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٢٨) أي جزاؤه (هذا كِتابُنا) ديوان الحفظة (يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ) نثبت ونحفظ (ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٢٩) (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ) جنته (ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ) (٣٠) البين الظاهر (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) فيقال لهم (أَفَلَمْ
____________________________________
المعنى. قوله : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) تعميم بعد تخصيص. قوله : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) ظرف لقوله : (يَخْسَرُ) وقوله : (يَوْمَئِذٍ) بدل من (يَوْمَ) قبله للتوكيد ، والتنوين في (يَوْمَئِذٍ) عوض عن جملة مقدرة ، والتقدير : يومئذ تقوم الساعة ، فهو بدل توكيدي. قوله : (أي يظهر خسرانهم) جواب عما يقال : إن خسرانهم متحتم في الأزل.
قوله : (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً) رأى بصرية و (كُلَ) مفعولها و (جاثِيَةً) حال ، واختلف هل الجثي خاص بالكفار ، وبه قال يحيى بن سلام ، وقيل عام للمؤمن والكافر انتظارا للحساب ، ويؤيده ما ورد : إن في القيامة لساعة هي عشر سنين ، يخرّ الناس فيها جثاة على ركبهم ، حتى إن إبراهيم عليهالسلام ينادي : لا أسألك اليوم إلا نفسي ، وذلك لأن الحضرة في ذلك اليوم حضرة جلال ، فالجميع يعطونه حقه من الخوف والهيبة ، إلى أن يحصل التمييز ، والجثو وضع الركبتين بالأرض ، مع رفع الألية ونصب القدمين ، ويطلق على الجلوس على أطراف القدمين مع وضع الركب بالأرض ، وكل من المعنيين يدل على كونه مستوفزا غير مطمئن ، وقوله : (أو مجتمعة) أو لحكاية الخلاف ، وقيل معناه متميزة ، وقيل خاضعة. قوله : (كُلَّ أُمَّةٍ) بالرفع في قراءة العامة مبتدأ ، و (تُدْعى) خبرها. قوله : (تُدْعى إِلى كِتابِهَا) أضيف لهم الكتاب باعتبار أنه مشتمل على أعمالهم. قوله : (ويقال لهم) قدره إشارة إلى أن الجملة مقولة لقول محذوف ، و (الْيَوْمَ) معمول لتجزون ، و (ما كُنْتُمْ) مفعوله الثاني ، ونائب الفاعل مفعول أول.
قوله : (هذا كِتابُنا) قيل من قول الله لهم ، وقيل من قول الملائكة لهم. قوله : (يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ) أي يدل عليه لأنهم يقرؤونه ، فيذكرهم بما فعلوه لقوله تعالى : (وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها) قوله : (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) قيل معناه أن لله ملائكة مطهرين ، ينسخون من أم الكتاب في رمضان كل يوم ما يكون من أعمال بني آدم في العام كله ، ويعرضونه على الحفظة كل خميس ، فيجدون ما كتبه الحفظة على بني آدم موافقا لما في أيديهم ، وقيل إن الملائكة الحفظة ، إذا رفعت أعمال العباد إلى الله عزوجل ، أمر بأن يثبت عنده منها ما فيه ثواب أو عقاب ، ويسقط ما لا ثواب فيه ولا عقاب. قوله : (نثبت ونحفظ) أي فالمراد بالنسخ الإثبات والنقل ، إما من اللوح المحفوظ ، أو من صحف الكتبة كما علمت.
قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) إلخ ، تفصيل لما أجمل في قوله : (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) قوله : (فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ) أي مع السابقين ، فلا ينافي أن المؤمن ، وإن لم يعمل الصالحات