عند النبي صلىاللهعليهوسلم كأبي بكر وعمر وغيرهما رضي الله عنهم (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ) اختبر (اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى) أي لتظهر منهم (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) (٣) الجنة ، ونزل في قوم جاؤوا وقت الظهر والنبي صلىاللهعليهوسلم في منزله فنادوه (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ
____________________________________
الباء سببية متعلقة باسم الإشارة ، لأنه واقع على الحبوط ، فكأنه قال : أي خشية الحبوط بسبب الرفع والجهر ، لأن في الرفع والجهر استخفافا بجانبه ، فيؤدي إلى الكفر المحبط ، وذلك إذا انضم له قصد الإهانة وعدم المبالاة. روي أنه لما نزلت هذه الآية ، قعد ثابت في الطريق يبكي ، فمر به ابن عدي فقال : ما يبكيك يا ثابت؟ قال : هذه الآية أتخوف أن تكون نزلت في ، وأنا رفيع الصوت على النبي صلىاللهعليهوسلم ، أخاف أن يحبط عملي ، وأن أكون من أهل النار ، فمضى عاصم إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وغلب ثابتا البكاء ، فأتى امرأته جميلة بنت عبد الله بن أبي ابن سلول فقال لها : إذا دخلت بيت فرشي ، فسدي علي الضبة بمسمار ، فضربته بمسمار ، فأتى عاصم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخبره خبره قال : اذهب فادعه لي ، فجاء عاصم إلى المكان الذي رآه فيه فلم يجده ، فجاء إلى أهله فوجده في بيت الفرش فقال له : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يدعوك ، فقال : اكسر الضبة ، فأتيا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ما يبكيك؟ فقال : أنا صيّت ، وأتخوف أن تكون هذه الآية نزلت فيّ ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أما ترضى أن تعيش حميدا ، وتقتل شهيدا ، وتدخل الجنة؟ فقال : رضيت ببشرى الله ورسوله ، لا أرفع صوتي على رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبدا ، فأنزل الله (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ) الآية ، قال أنس : فكنا ننظر إلى رجل من أهل الجنة يمشي بين أيدينا ، فلما كان يوم اليمامة في حرب مسيلمة ، رأى ثابت من المسلمين بعض انكسار ، وانهزمت طائفة منهم ، قال : أف لهؤلاء ، ثم قال ثابت لسالم مولى حذيفة : ما كنا نقاتل أعداء الله مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم مثل هذا ، ثم ثبتا وقاتلا حتى قتلا ، واستشهد ثابت وعليه درع ، فرآه رجل من الصحابة بعد موته في المنام وأنه قال له : اعلم أن فلانا رجل من المسلمين ، نزع درعي فذهب بها ، وهي في ناحية من العسكر ، عند فرس يستن في طيله ، وقد وضع على درعي برمة ، فائت خالد بن الوليد فأخبره حتى يسترد درعي ، وائت أبا بكر خليفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم قل له : إن علي دينا حتى يقضي عني ، وفلان من رقيقي عتيق ، فأخبر الرجل خالدا ، فوجد الدرع والفرس على ما وصفه ، فاسترد الدرع ، وأخبر خالد أبا بكر بتلك الرؤيا ، فأجاز أبو بكر وصيته ، قال مالك بن أنس : لا أعلم وصية أجيزت بعد موت صاحبها إلا هذه. قوله : (فيمن كان يخفض صوته) أي مخافة من مخالفة النهي السابق ، وإجلالا وتعظيما. قوله : (كأبي بكر وعمر) الخ ، أي فكان الجميع يخفضون أصواتهم عند رسول الله ، إجلالا له وتعظيما.
قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ) الخ ، اسم الإشارة مبتدأ ، والموصول بعد خبره ، والجملة خبر (إِنَ) وجملة (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) مستأنفة لبيان ما أعد لهم. قوله : (امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) الامتحان افتعال ، من محنت الأديم محنا أوسعته ، ومعنى (امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى) وسعها. قوله : (أي لتظهر منهم) أي فإنها لا تظهر ، إلا بالاصطبار على أنواع المحن والتكاليف الشاقة ، فالاختبار سبب لظهور التقوى ، لا سبب للتقوى نفسها ، فهو من إطلاق السبب على المسبب ، أي فالاختبار يظهر ما كان كامنا في النفس من التقوى ، كما أن سماع الألحان ، يظهر ما كان كامنا في النفس من الحب فتدبر. قوله : (ونزل في قوم) أي وهم وفد بني تميم.