مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) أي تقدمه كالتوراة (يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) الإسلام (وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) (٣٠) أي طريقه (يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ) محمدا صلىاللهعليهوسلم إلى الإيمان (وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ) الله (لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) أي بعضها ، لأن منها المظالم ، ولا تغفر إلا برضا أصحابها (وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) (٣١) مؤلم (وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ) أي لا يعجز الله بالهرب منه فيفوته (وَلَيْسَ لَهُ) لمن لا يجب (مِنْ دُونِهِ) أي الله (أَوْلِياءُ) أنصار يدفعون عنه العذاب (أُولئِكَ) الذين لم يجيبوا (فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٣٢) بيّن ظاهر (أَوَلَمْ يَرَوْا) يعلموا ، أي منكر والبعث (أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَ) لم يعجز عنه (بِقادِرٍ) خبر أن ، وزيدت الباء فيه لأن الكلام في قوة أليس الله بقادر (عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى) هو قادر على إحياء الموتى (إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٣٣) (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ) بأن يعذبوا بها يقال لهم (أَلَيْسَ هذا) التعذيب (بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) (٣٤)
____________________________________
قوله : (وكانوا يهودا) أي وقد أسلموا في هذه الواقعة ، وأسلم من قومهم حين رجعوا إليهم وأنذروهم وهم سبعون ، وقال العلماء : إن الجن فيهم اليهود والنصارى والمجوس وعبدة الأصنام ، وفي مسلميهم مبتدعة ومن يقول بالقدر وخلق القرآن ونحو ذلك من المذاهب والبدع. وروي أنهم أصناف ثلاثة : صنف لهم أجنحة يطيرون بها ، وصنف على صورة الحيات والكلاب ، وصنف يحلون ويظعنون ، واختلف في مؤمني الجن ، فقيل : لا ثواب لهم إلا النجاة من النار ؛ وعليه أبو حنيفة والليث ؛ وبعد نجاتهم من النار يقال لهم : كونوا ترابا. وقال الأئمة الثلاثة : هم يدخلون الجنة ، ويأكلون ويشربون ويتنعمون. وقيل : إنهم يكونون حول الجنة في ربض ورحاب وليسوا فيها. قوله : (كالتوراة) أي والإنجيل والزبور وغيرهما. قوله : (أي طريقه) أي الإسلام وهو الانقياد وطريقه الأعمال الصالحة ، كالصلاة والصوم. قوله : (يَغْفِرْ لَكُمْ) جواب الأمر. قوله : (وَيُجِرْكُمْ) أي يخلصكم وينجيكم.
قوله : (وَمَنْ لا يُجِبْ) الخ ، (مَنْ) شرطية وجوابها قوله : (فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ) الخ. قوله : (أَوْلِياءُ أُولئِكَ) هنا همزتان مضمومتان من كلمة ، وليس في القرآن محل لاجتماعهما غير هذا. قوله : (أُولئِكَ) الخ ، هذا آخر كلام الجن الذين سمعوا القرآن. قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا) الخ ، رجوع لتوجيه الكلام إلى أهل مكة وغيرهم بعد تقرير قصة الجن ، والهمزة داخلة على محذوف ، والواو عاطفة عليه تقديره : أتركوا التفكر ولم يروا. قوله : (لم يعجز عنه) أي لم يضعف ولم يتعب. قوله : (وزيدت الباء فيه) الخ ، جواب عما يقال : إن الباء لا تزاد إلا في خبر ليس وما ، كما قال ابن مالك : وبعد ما وليس جر الباء الخبر : وإن للإثبات. قوله : (لأن الكلام) الخ ، حاصل الجواب أنها واقعة في خبر ليس تأويلا. قوله : (بَلى) هي جواب النفي ويصير بها إثباتا ؛ بخلاف نعم فإنها تقرر ما قبلها نفيا أو إثباتا.
قوله : (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا) الخ ، هذا إشارة لبعض ما يحصل في يوم البعث من الأهوال ، إثر بيان إثباته وتقرره. قوله : (يقال لهم) قدره إشارة إلى أن (يَوْمَ) ظرف لمحذوف ، وإلى أن قوله : (أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِ) مقول لقول محذوف. قوله : (وَرَبِّنا) الواو للقسم ، وإنما أكدوا كلامهم بالقسم طمعا في الخلاص ، حيث اعترفوا بالحق. قوله : (بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) أي بسبب كفركم. قوله :