في القتل أن يكون بضرب الرقبة (حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ) أكثرتم فيهم القتل (فَشُدُّوا) أي فأمسكوا عنهم وأسروهم وشدّوا (الْوَثاقَ) ما يوثق به الأسرى (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ) مصدر بدل من اللفظ بفعله ، أي تمنون عليهم بإطلاقهم من غير شيء (وَإِمَّا فِداءً) أي تفادونهم بمال أو أسرى مسلمين (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ) أي أهلها (أَوْزارَها) أثقالها من السلاح وغيره ، بأن يسلم الكفار أو يدخلوا في العهد وهذه غاية للقتل والأسر (ذلِكَ) خبر مبتدأ مقدر ، أي الأمر فيهم ما ذكر (وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ) بغير قتال (وَلكِنْ) أمركم به (لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) منهم في القتال ، فيصير من قتل منكم إلى الجنة ومنهم إلى النار (وَالَّذِينَ قُتِلُوا) وفي قراءة قاتلوا ، الآية نزلت يوم أحد ، وقد فشا في المسلمين القتل والجراحات (فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَ) يحبط
____________________________________
فداء. قوله : (بَعْدُ) أي بعد أسرهم وشد وثاقهم ، والمعنى : أن المسلمين بعد القدرة على الكفار ، يخيرون فيهم بين أمور أربعة : القتل والمن والفداء والاسترقاق ، وهذا في الرجال المقاتلين ، وأما النساء والصبيان ، فليس فيهم إلا المن والفداء والاسترقاق ، وهذا التفصيل للإمام الشافعي ، وعند مالك يزاد في حق الرجال الجزية ، وعند أبي حنيفة ليس إلا القتل أو الاسترقاق ، وأما المن والفداء فمنسوخان بعد بدر. قوله : (أو أسارى) بالضم والفتح ، أو بفتح فسكون فراء مفتوحة. قوله : (أي أهلها) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف. قوله : (بأن يسلم الكفار) أي فالمراد بوضع آلة القتال ، ترك القتال لانفضاض شوكة الكفر ، ففي الكلام استعارة تبعية ، حيث شبه ترك القتال بوضع آلته ، واشتق من الوضع تضع بمعنى تترك. قوله : (وهذه غاية للقتل) أي المذكور في قوله : (فضرب الرقاب) وقوله : (والأسر) أي المذكور في قوله : (فَشُدُّوا الْوَثاقَ.) قوله : (ما ذكر) أي من القتل والأسر وما بعدهما. قوله : (بغير قتال) أي كالخسف. قوله : (لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) أي ليظهر لعباده حال الصادق في الإيمان من غيره ، قال تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ).
قوله : (وَالَّذِينَ قُتِلُوا) مبتدأ ، وقوله : (فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ) خبره. قوله : (وفي قراءة قاتلوا) أي وهي سبعية أيضا مفسرة للقراءة الأولى ، وحينئذ فليس المراد قتلوا بالفعل ، بل المراد قاتلوا قتلوا أو لا. قوله : (وقد فشا) الخ ، الجملة حالية ، وقوله : (القتل) ورد أنهم سبعون ، وقوله : (والجراحات) أي الكثير ، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فهذا الوعد الحسن ، لكل من قاتل في سبيل الله ، لنصر دينه إلى يوم القيامة ، قتل أو جرح أو سلم. قوله : (فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ) أي سواء نشأت منهم أو تسببوا فيها. قوله : (إلى ما ينفعهم) أي فالذي ينفعهم في الدنيا ، العمل الصالح والإخلاص فيه ، والذي ينفعهم في الآخرة ، الجنة وما فيها ، وحينئذ فلا يقع منهم ما يخالف أمر الله ، لحفظ الله إياهم من المخالفات ، ومنه حديث : «اطلع الله على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم ، فقد غفرت لكم» وليس فيه توهم إباحة المعاصي لأهل بدر ، بل المعنى : كما أفنيتم نفوسكم في محبتي ، وخرجتم عن شهواتكم في رضاي ، جازيتكم بالحفظ مما يوجب سخطى ، فاشتريت نفوسكم ، فصارت لي راضية مرضية ، قال تعالى : (اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ) الآيات ، ولهذا أشار العارف ابن وفا بقوله :
وبعد الفنا في الله كن كيفما تشا |
|
فعلمك لا جهل وفعلك لا وزر |