(أَمْ) بمعنى بل وهمزة الإنكار (يَقُولُونَ افْتَراهُ) أي القرآن (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ) فرضا (فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ) أي من عذابه (شَيْئاً) أي لا تقدرون على دفعه عني إذا عذبني الله (هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ) تقولون في القرآن (كَفى بِهِ) تعالى (شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ) لمن تاب (الرَّحِيمُ) (٨) به فلم يعاجلكم بالعقوبة (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً) بديعا (مِنَ الرُّسُلِ) أي أول مرسل ، قد سبق قبلي كثير منهم فكيف تكذبوني (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) في الدنيا أأخرج من بلدي أم أقتل كما فعل بالأنبياء قبلي أم ترموني بالحجارة أم يخسف بكم كالمكذبين قبلكم (إِنْ) ما (أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) أي القرآن ولا أبتدع من عندي شيئا (وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) (٩) بين الإنذار (قُلْ أَرَأَيْتُمْ) أخبروني ماذا حالكم (إِنْ كانَ) أي القرآن (مِنْ عِنْدِ اللهِ
____________________________________
قوله : (أَمْ يَقُولُونَ) الخ ، ترق في الانكار ، وانتقال إلى ما هو أشنع. قوله : (فرضا) أي على سبيل الفرض والتقدير. قوله : (فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً) أي فهو المتولي أموري ، لا أحد يقدر على دفع ما أصابني منه غيره. قوله : (هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ) أي تخوضون وتقدحون في القرآن بقولكم : هو شعر ، هو سحر ، وغير ذلك. قوله : (كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) أي فيشهد لي بالصدق والبلاغ ، وعليكم بالتكذيب والأنكار. قوله : (الرَّحِيمُ) (به) المناسب أن يقول : الرحيم بعباده ، ليحسن ترتيب قوله : (فلم يعاجلكم) الخ ، عليه. قوله : (فلم يعاجلكم بالعقوبة) أي بل أمهلكم لتتوبوا وترجعوا ، عما أنتم عليه ، ففيه وعد حسن بالمغفرة للتائبين ، والرحمة بجميع العباد ، إشارة إلى أن حلم الله ورحمته شاملة لهم ، مع عظم خوفهم. قوله : (بديعا) أشار بذلك إلى أن (بِدْعاً) صفة كحق وحقيق ، وهو من الابتداع والاختراع ، ويصح أن يكون مصدرا على حذف مضاف ، أي ذا بدع ، وقرىء شذوذا بكسر الباء وفتح الدال جمع بدعة ، أي ما كنت صاحب بدع ، وبفتح الباء وكسر الدال ، وصف كحذر.
قوله : (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ما) استفهامية مبتدأ ، والجملة بعدها خبرها ، وهي معلقة لأدري عن العمل ، فهي سادة مسد مفعوليها ، ولما نزلت هذه الآية ، فرح المشركون والمنافقون وقالوا : كيف نتبع نبيا لا يدري ما يفعل به ولا بنا؟ وإنه لا فضل له علينا ، ولو لا أنه ابتدع الذي يقوله من تلقاء نفسه ، لأخبره الذي بعثه بما يفعله به ، فنسخت هذه الآية ، وأرغم الله أنف الكفار بنزول قوله تعالى (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) الآيات ، فقالت الصحابة : هنيئا لك يا رسول الله ، لقد بين الله لك ما يفعل بك ، فليت شعرنا ما هو فاعل بنا؟ فنزلت (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) الآية. ونزلت (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً) فهذه الآية نزلت في أوائل الإسلام ، قبل بيان مآل النبي والمؤمنين والكافرين ، وإلا فما خرج صلىاللهعليهوسلم من الدنيا ، حتى أعلمه الله في القرآن ، ما يحصل له وللمؤمنين والكافرين في الدنيا والآخرة ، إجمالا وتفصيلا.
قوله : (وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) الحصر إضافي ، أي منذر عن الله ، لا مخترع من تلقاء نفسي ، فلا ينافي أنه بشير أيضا. قوله : (ما ذا حالكم) أشار بذلك إلى أن مفعولي (أَرَأَيْتُمْ) محذوفان دلت عليهما