(أَعْمالَهُمْ) (٤) (سَيَهْدِيهِمْ) في الدنيا والآخرة إلى ما ينفعهم (وَيُصْلِحُ بالَهُمْ) (٥) حالهم فيهما وما في الدنيا لمن لم يقتل ، وأدرجوا في قتلوا تغليبا (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها) بينها (لَهُمْ) (٦) فيهتدون إلى مساكنهم منها وأزواجهم وخدمهم من غير استدلال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ) أي دينه ورسوله (يَنْصُرْكُمْ) على عدوّكم (وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) (٧) يثبتكم في المعترك (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) من أهل مكة مبتدأ خبره تعسوا يدل عليه (فَتَعْساً لَهُمْ) أي هلاكا وخيبة من الله (وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) (٨) عطف على تعسوا (ذلِكَ) أي التعس والإضلال (بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ) من القرآن المشتمل على التكاليف (فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) (٩) (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ
____________________________________
قوله : (وما في الدنيا) أي من الهداية وإصلاح الحال ، وقوله : (إن لم يقتل) جواب عما يقال : كيف قال سيهديهم ويصلح بالهم ، يعني في الدنيا ، مع أن الفرض أنهم قتلوا بالفعل؟ وأجيب : بأن ذلك يحصل في الدنيا إن لم يقتل ، وعبر بالذين قتلوا تغليبا لهم ، أو لأنهم قتلوا حكما بالنية. وأجيب أيضا : بأن المراد بالذين قتلوا ، الذين وقع منهم القتال ، أعم من أن يقتلوا بالفعل أو لا ، بدليل القراءة الأخرى. قوله : (فيهتدون إلى مساكنهم) الخ أي إذا دخلوها يتفرقون إلى منازلهم ، فهم أعرف بها من أهل الجمعة ، إذا انصرفوا إلى منازلهم ويؤيد هذا المعنى قوله عليه الصلاة والسّلام : «يخلص المؤمنون من النار ، فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار ، حتى إذا هذبوا ونقوا ، أذن لهم في دخول الجنة ، فو الذي نفس محمد بيده ، لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة ، من منزله الذي كان في الدنيا» وما ورد : إن العبد المؤمن ، لا يخرج من الدنيا ، حتى يشاهد مسكنه في الجنة ، وما أعده الله له من النعيم ، ويفتح له طاقة في قبره ، يشاهد ذلك ما دام في البرزخ ، وأن ارواح الشهداء في حواصل طيور خضر في الجنة ، وأرواح الأنبياء في قناديل من ذهب معلقة في العرش ، تسرح وتأوي إليها. وقيل : معنى عرفها لهم ، طيبها من العرف ، وهو طيب الرائحة. قوله : (يثبتكم) أشار بذلك إلى أن المراد بالأقدام الذوات بتمامها ، وعبر عنها بالأقدام ، لأن الثبات والتزلزل يظهران فيها. قوله : (خبره تعسوا) الخ ، أشار بذلك إلى أن الفاء في قوله : (فَتَعْساً) داخلة على محذوف هو الخبر ، و (فَتَعْساً) مفعول مطلق لذلك المحذوف ، وحينئذ فالمناسب للمفسر أن يقدر الخبر بعد الفاء. قوله : (أي هلاكا وخيبة لهم) هذان قولان من عشرة أقوال في معنى التعس ، وقيل خزيا لهم ، وقيل شقاء لهم ، وقيل شتما لهم من الله ، وقيل قبحا لهم ، وقيل رغما لهم ، وقيل شرا لهم ، وقيل شقوة لهم ، وقيل التعس الانحطاط والعثار ، وكلها معان متقاربة ، وهو في الأصل أن يخر لوجهه ، والنكس أن لا يستقل بعد سقطته ، حتى يسقط هو ثانية ، وهو أشد من الأولى ، وضده الانتعاش ، وهو قيام من سقط.
قوله : (ذلِكَ) مبتدأ خبره الجار والمجرور بعده ، ويصح أن يكون اسم الإشارة خبر مبتدأ محذوف ، أي الأمر ذلك. قوله : (المشتمل على التكاليف) أي فهذا وجه كراهتهم له ، وذلك لأن في التكاليف ترك الملاذ والشهوات ، والنفوس الخبيثة تكره ذلك ، وتحب إرخاء العنان لها في الشهوات ، فمن تبع نفسه من كل وجه كفر ، فعلى الإنسان أن يجاهد نفسه ، حتى تصير معتادة ما يرضاه الله تعالى ، ففي الحديث : «لا يكمل إيمان أحدكم ، حتى يكون هواه تابعا لما جئت به» فالأصل في النفوس الخسة ، لا تجر لصاحبها خيرا ، ولا تسعى إلا فيما يغضب الله ، فإذا شمر الإنسان عن ساعد الجد والاجتهاد ، وخالف هوى نفسه ،