منهم من الأذى لكم ، وهذا قبل الأمر بجهادهم (لِيَجْزِيَ) أي الله وفي قراءة بالنون (قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (١٤) من الغفر للكفار أذاهم (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ) عمل (وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) أساء (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (١٥) تصيرون فيجازي المصلح والمسيء (وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ) التوراة (وَالْحُكْمَ) به بين الناس (وَالنُّبُوَّةَ) لموسى وهارون منهم (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) الحالات كالمن والسلوى (وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) (١٦) عالمي زمانهم العقلاء (وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ) أمر الدين من الحلال والحرام ، وبعثة محمد عليه أفضل الصلاة والسّلام (فَمَا اخْتَلَفُوا) في بعثته (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) أي لبغي حدث بينهم
____________________________________
ذلك عمر ، فاشتمل بسيفه يريد التوجه له ، فنزلت هذه الآية ، وقيل مكية ، وعليه فسبب نزولها كما قال مقاتل : أن رجلا من بني غفار شتم عمر بمكة ، فهم عمر أن يبطش به ، فنزلت ، أو كما قال السدي : أن ناسا من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم من أهل مكة ، كانوا في أذى كثير من المشركين ، قبل أن يؤمروا بالجهاد ، فشكوا ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزلت ، وما ذكره المفسر ، فيه إشارة إلى هذا الأخير.
قوله : (لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) أي لا يتوقعون وقائعه من قولهم أيام العرب ، أي وقائعهم ، وهذا ما مشى عليه المفسر ، وقيل : إن الرجاء باق على معناه الأصلي ، والمراد بالأيام مطلق الأوقات ، والمعنى لا يؤملون الأوقات التي جعل الله فيها نصر المؤمنين وثوابهم. قوله : (أي اغفروا للكفار) أشار بذلك إلى أن مقول القول محذوف دل عليه قوله : (يَغْفِرُوا) فهو مجزوم لكونه جواب أمر محذوف ، والتقدير : قل لهم اغفروا يغفروا. قوله : (وهذا قبل الأمر بجهادهم) أي فهو منسوخ بآية القتال ، وهذا على أنها مكية ، وأما على أنها مدنية ، فالكف عن المنافقين خوف أن يقول المشركون : إن محمدا يقتل أصحابه ، حتى جاء الإذن بتمييزهم ، وقيل : إنها ليست منسوخة ، بل هي محمول على ترك المنازعة ، والتجاوز فيما يصدر عنهم من الكلام المؤذي ، قوله : (لِيَجْزِيَ قَوْماً) علة لما قبله ، والقوم هم المؤمنون ، وهو ما مشى عليه المفسر ، وقيل الكافرون ، وقيل كل منهما ، فالتنكير إما للتعظيم ، أو التحقير ، أو التنويع. قوله : (وفي قراءة بالنون) أي وهي سبعية أيضا. قوله : (أذاهم) مفعول للغفر الواقع مصدرا. قوله : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ) جملة مستأنفة لبيان كيفية الجزاء.
قوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ) إلخ ، المقصود من ذلك تسليته له صلىاللهعليهوسلم كأنه قال : لا تحزن على كفر قومك ، فإننا آتينا بني اسرائيل الكتاب والنعم العظيمة ، فلم يشكروا بل أصروا على الكفر. قوله : (التوراة) إنما اقتصر عليها لكونها تغني عن غيرها من كتبهم ، ولا يغني غيرها عنها ، فإن فيها أحكام شرعهم ، وإلا ففي الحقيقة كتب بني اسرائيل : التوراة والإنجيل والزبور. قوله : (وَالْحُكْمَ) أي الفصل بين الخصوم ، وهذه نعم دينية ، وقوله : (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) نعم دنيوية فلم يشكروا عليها. قوله : (كالمن والسلوى) أي في أيام التيه. قوله : (العقلاء) تقدم ما فيه ، وأن الأولى التعبير بالثقلين.
قوله : (وَآتَيْناهُمْ) أي بني اسرائيل في التوراة ، والمعنى : بينا لهم فيه أمر الشريعة ، وأمر محمد صلىاللهعليهوسلم ، وأنهم يؤمنون به إن ظهر بينهم ، كما أشار له المفسر. قوله : (وَاخْتَلَفُوا) (في بعثته) إلخ ، أي وقد كانوا قبل ذلك متفقين ، فلما جاءهم العلم والشرع في كتابهم اختلفوا ، وكان مقتضاه أن يدوم لهم