حسدا له (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (١٧) (ثُمَّ جَعَلْناكَ) يا محمد (عَلى شَرِيعَةٍ) طريقة (مِنَ الْأَمْرِ) أمر الدين (فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (١٨) في عبادة غير الله (إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا) يدفعوا (عَنْكَ مِنَ اللهِ) من عذابه (شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ) الكافرين (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) (١٩) المؤمنين (هذا) القرآن (بَصائِرُ لِلنَّاسِ) معالم يتبصرون بها في الأحكام والحدود (وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (٢٠) بالبعث (أَمْ) بمعنى همزة الأنكار (حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا) اكتسبوا (السَّيِّئاتِ) الكفر والمعاصي (أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً) خبر (مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) مبتدأ ومعطوف ، والجملة بدل من
____________________________________
الاتفاق. قوله : (يَقْضِي بَيْنَهُمْ) أي بالمؤاخذة والمجازاة. قوله : (ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ) الكاف مفعول أول لجعلنا ، و (عَلى شَرِيعَةٍ) هو المفعول الثاني ، والشريعة تطلق على مورد الناس من الماء على المذهب والملة ، والمراد هنا ما شرعه الله لعباده من الدين ، سمي شريعة لأنه يقصد ويلجأ إليه ، كما يلجأ إلى الماء من العطش. قوله : (مِنَ الْأَمْرِ) يطلق على مقابل النهي وعلى الشأن ، ويصح إرادة كل منهما هنا ، والمعنى : ثم جعلناك على طريقة من الدين ، وهي ملة الإسلام التي كان عليها إبراهيم ، ولا شك أن الله تعالى لم يغاير بين الشرائع في التوحيد والمكارم والمصالح ، وإنما التغاير في الفروع. قوله : (أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) أي وهم رؤساء قريش حيث قالوا : ارجع إلى دين آبائك ، فإنهم كانوا أفضل منك وأسن.
قوله : (إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ) تعليل لما قبله ، وقوله : (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ) عطف على ما قبله من تتمة التعليل. قوله : (أَوْلِياءُ بَعْضٍ) أي في الدنيا ، والأولى لهم في الآخرة يزيل عنهم العقاب. قوله : (وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) أي في الدنيا والآخرة ، لأنهم اتقوا الشرك. قوله : (هذا بَصائِرُ) مبتدأ وخبر ، وجمع الخبر باعتبار أن المبتدأ مشار به إلى ما تقدم من الآيات ، ولا شك أنه جمع. قوله : (معالم) جمع معلم ، وهو في الأصل الأثر الذي يتسدل به على الطريق ، والمراد هنا أن تلك الآيات تبصر الناس في الأحكام وتدلهم عليها.
قوله : (وَهُدىً) أي من الضلالة. قوله : (وَرَحْمَةٌ) أي إحسان. قوله : (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) أي يطلبون اليقين ، وأما الكفار فهو وبال وخسران عليهم. قوله : (أَمْ) (بمعنى همزة الإنكار) أي فهي منقطعة ، تقدر تارة بالهمزة وحدها ، أو ببل وحدها ، أو بهما معا ، والمراد انكار الحسبان أي الظن ، والمعنى : لا ينبغي أن يكون ، وإلا فالظن قد وقع بالفعل. قوله : (الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ) فاعل حسب ، وجملة (أَنْ نَجْعَلَهُمْ) إلخ سادة مسد المفعولين ، والمراد بالاجتراح الاكتساب كما قال المفسر ، ومنه الجوارح ، قال الكلبي الذين اجترحوا السيئات عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، والوليد بن عتبة ، والذين آمنوا وعملوا الصالحات ، علي وحمزة وعبيدة بن الحرث رضي الله عنهم ، حين برزوا إليهم يوم بدر فقتلوهم ، وقيل : نزلت في قوم من المشركين قالوا إنهم يعطون في الآخرة خيرا مما يعطاه المؤمن ، كما أخبر الله عنهم في قوله : (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى).
قوله : (سَواءً) (خبر) أي على قراءة الرفع ، وقرأ بعض السبعة بالنصب على الحال. قوله :