تقاتلون (فَإِنْ تُطِيعُوا) إلى قتالهم (يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) (١٦) مؤلما (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) في ترك الجهاد (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ) بالياء والنون (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ) بالياء والنون (عَذاباً أَلِيماً) (١٧) (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ)
____________________________________
بالجزية ، وأما بالنسبة لبني حنيفة ، فمعناه يسلمون بالفعل ، لأنهم كانوا مرتدين ، والمرتد لا يقر بالجزية ، بل إما السيف أو الإسلام. قوله : (كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ) أي في الحديبية.
قوله : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) نزلت لما قال أهل الزمانة والعاهة والآفة : كيف بنا يا رسول الله؟ حين سمعوا قوله تعالى : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا) الخ. قوله : (في ترك الجهاد) أي في التخلف عن الجهاد ، وهذه أعذار ظاهرة ، وذلك لأن الأعمى لا يمكنه الكر ولا الفر ، وكذلك الأعراج والمريض ، ومثل هذه الأعذار الفقر الذي لا يمكن صاحبه أن يقضي مصالحه وأشغاله التي تعوق عن الجهاد ، وكل هذا ما لم يفجأ العدو ، وإلا وجب على كل بما يمكنه. قوله : (بالياء والنون) أي فهما قراءتان سبعيتان.
قوله : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ) أي فعل بهم فعل الراضي من الثواب والفتح المبين ؛ وفي ذلك تلميح إلى أن الكافرين غير راض عنهم ، فلهم الخذلان في الدنيا والآخرة ، وكان سبب هذه البيعة على ما ذكره محمد بن إسحاق عن أهل العلم ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم دعا خراش بن أمية الخزاعي حين نزل الحديبية ، فبعثه إلى قريش بمكة ، وحمله على جمله صلىاللهعليهوسلم ليبلغ أشرافهم أنه صلىاللهعليهوسلم جاء معتمرا ، ولم يجىء محاربا ، فعقروا جمل رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأرادوا قتله ، فمنعتهم الأحابيش فخلوا سبيله ، فأتى لرسول الله فأخبره ، فدعا رسول الله عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة فقال : يا رسول الله إني أخاف على نفسي قريشا ، وليس في مكة من بني عدي بن كعب أحد ، وقد عرفت قريش عداوتي إياها ، وغلظتي عليها ، ولكن أدلك على رجل هو أقربها مني ، لوجود عشيرته فيها ، وهو عثمان بن عفان ، فدعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عثمان ، فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب ، وإنما جاء زائرا لهذا البيت ، معظما لحرمته ، وكتب له كتابا بعثه معه ، وأمره أن يبشر المستضعفين بمكة بالفتح قريبا ، وأن الله سيظهر دينه ، فخرج عثمان وتوجه إلى مكة ، فوجد قريشا قد اتفقوا على منعه صلىاللهعليهوسلم من دخول مكة ، ولقيه أبان بن سعيد بن العاصي حين دخل مكة ، وقبل أن يدخلها ، فنزل عن فرسه وحمله بين يديه ، ثم أردفه وأجاره ، حتى بلغ رسالة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقرأ عليهم الكتاب واحدا واحدا ، فصمموا على أنه لا يدخلها هذا العام ، وقالوا لعثمان : إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به ، قال : ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقد كان المسلمون قالوا : هنيئا لعثمان خلص إلى البيت وطاف به دوننا ، فقال صلىاللهعليهوسلم : إن ظني به أن لا يطوف حتى يطوف معنا ، وبشر عثمان المستضعفين ، واحتبسته قريش عندها ، فبلغ رسول الله والمسلمين أن عثمان قد قتل ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لا نبرح حتى نناجز القوم ، ودعا الناس إلى البيعة ، فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة ، وضع النبي صلىاللهعليهوسلم شماله في يمينه وقال : هذه عن عثمان ، وهذا يشعر بأن النبي قد علم بنور النبوة ، أن عثمان لم يقتل حتى بايع عنه. وفي الحديث أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال لما بايع الناس : «اللهم إن عثمان في حاجتك وحاجة رسولك» فضرب بإحدى يديه على الأخرى ، فكانت يده لعثمان ، خيرا من أيديهم