(وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ) أي القرآن (وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ) غفر لهم (سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ) (٢) أي حالهم فلا يعصونه (ذلِكَ) أي إضلال الأعمال وتكفير السيئات (بِأَنَ) بسبب أن (الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ) الشيطان (وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَ) القرآن (مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ) أي مثل ذلك البيان (يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ) (٣) يبين أحوالهم ، أي فالكافر يحبط عمله ، والمؤمن يغفر زلله (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ) مصدر بدل من اللفظ بفعله ، أي فاضربوا رقابهم أي اقتلوهم ، وعبر بضرب الرقاب لأن الغالب
____________________________________
قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) أي صدقوا بقلوبهم ونطقوا بألسنتهم. وقوله : (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) العطف يقتضي المغايرة ، فاستفيد منه أن العمل الصالح ، ليس داخلا في حقيقة الإيمان ، بل هو شرط كمال ، كما هو مختار الأشاعرة. قوله : (وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ) الخ ، عطف خاص على عام ، والنكتة تعظيمه والاعتناء بشأنه ، إشارة إلى أن الإيمان لا يتم بدونه ، ولذا أكده بقوله : (وَهُوَ الْحَقُ) أي الثابت الذي ينسخ غيره ، وهو لا ينسخ. قوله : (وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) جملة معترضة سيقت لبيان المنزل. قوله : (غفر لهم) (سَيِّئاتِهِمْ) أي محاها من صحف الملائكة. قوله : (وَأَصْلَحَ بالَهُمْ) البال يطلق على الحال والشأن والأمر ، وكلها بمعنى واحد ، والمعنى : أصلح أحوالهم الدنيوية ، بتوفيقهم للأعمال الصالحة والأخروية ، بنجاتهم من النار ؛ وإدخالهم الجنة. قوله : (فلا يعصونه) أي لا يصرون على معصيته ، أعم من أن لا تقع منهم أصلا أو تقع ، ولكن لا يصرون عليها.
قوله : (ذلِكَ) مبتدأ ، وقوله : (بِأَنَّ الَّذِينَ) الخ ، خبر. قوله : (الشيطان) وقيل (الْباطِلَ) الكفر. قوله : (الْحَقَ) (القرآن) وقيل : (الْحَقَ) الإيمان. قوله : (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ) المثل في الأصل القول السائر المشبه مضربه بمورد ، كقولهم : الصيف ضيعت اللبن ، والكلام على البقر ، وليس مرادا هنا ، بل المراد الأمور العجيبة ، تشبيها لها بالمثل في الغرابة المؤدية إلى التعجب ، واسم الإشارة عائد على ما بين في أحوال المؤمنين والكافرين.
قوله : (فَإِذا لَقِيتُمُ) الخ ، الفاء للفصيحة ، لكونها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره : إذ علمتم أحوال المؤمنين ، وأنهم أحباب الله ، وأحوال الكافرين ، وأنهم أعداء الله ، فالواجب على أحباب الله ، أن يقاتلوا أعداء الله. قوله : (بدل من اللفظ بفعله) أي فهو نائب عن الفعل في المعنى ، والعمل على الصحيح ، وقيل في المعنى دون العمل والأصل : فاضربوا الرقاب ضربا ، حذف الفعل ، وأتى بالمصدر محله ، وأضيف إلى مفعول الفعل وهو الرقاب ، وهو عامل في الظرف أيضا. قوله : (أي اقتلوهم) أي فأراد بضرب الرقاب ، مطلق القتل على أي حالة كانت ، لا خصوص ضرب الرقاب.
قوله : (حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ حَتَّى) ابتدائية ، والمعنى : فإذا عجزتموهم بأي وجه من الوجوه ، إما بكثرة القتل وهو الغالب ، أو بقطع الماء عنهم ، أو بأخذ أسلحتهم ، أو غير ذلك فأسروهم. قوله : (أي فأمسكوا) أشار بذلك إلى أن في الكلام تقدير جملتين : الإمساك عن القتل والأسر. قوله : (بدل من اللفظ بفعله) أي وجيء به لتفصيل جملة ، فوجب إضمار عامله ، والتقدير : فإما أن تمنوا منا ، وإما أن تفدوا