ناصِرَ لَهُمْ) (١٣) من إهلاكنا (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ) حجة وبرهان (مِنْ رَبِّهِ) وهم المؤمنون (كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) فرآه حسنا وهم كفار مكة (وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) (١٤) في عبادة الأوثان ، أي لا مماثلة بينهما (مَثَلُ) أي صفة (الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) المشتركة بين داخليها مبتدأ خبره (فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ) بالمد والقصر كضارب وحذر ، أي غير متغير ، بخلاف ماء الدنيا فيتغير بعارض (وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ) بخلاف لبن الدنيا لخروجه من الضروع (وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ) لذيذ (لِلشَّارِبِينَ) بخلاف خمر الدنيا فإنها كريهة عند الشرب (وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ
____________________________________
قوله : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ) الخ ، شروع في بيان أحوال المؤمنين والكافرين ، والهمزة داخلة على محذوف ، والفاء عاطفة عليه ، والتقدير : أليس الأمر كما ذكر فمن كان على بينة ، الخ ، والتعبير بعلى إشارة إلى تمكنهم من الحجج والراهين ، تمكن المستعلي من المستعلى عليه. قوله : (وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) فيه مراعاة معنى من ، كما روعي لفظها فيما سبق.
قوله : (مَثَلُ الْجَنَّةِ) تفصيل لبيان محاسن الجنة ، وكيفية أنهارها المتقدمة في قوله : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ.) قوله : (أي صفة) (الْجَنَّةِ) أشار بذلك إلى أن المراد بالمثل الصفة ، فكأنه قال : وصف الجنة كذا وكذا ، فليس في الكلام مشبه ومشبه به. قوله : (الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) المراد من لم يحكم الشرع بكفره ، فيشمل عصاة المؤمنين ، وأهل الفترة ، وأولاد الكفار ، الذين ماتوا قبل البلوغ. قوله : (المشتركة بين داخليها) أي فهو بيان لمطلق نعيم الجنة ، المشترك بين أعلى أهل الجنة وأدناهم ، وأما تفصيل ما لكل فريق ، فسيأتي في سورة الواقعة. قوله : (خبره) (فِيها أَنْهارٌ) الخ ، فيه أن الخبر جملة حالية من رابط يعود على المبتدأ. وأجيب : بأن الخبر عين المبتدأ في المعنى ، وحينئذ فلا يحتاج لرابط ، وهذا أسهل الأعاريب ، وقيل : إن (مَثَلُ الْجَنَّةِ) مبتدأ ، خبره (كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ) وفي الكلام حذف مضاف وهمزة الإنكار ، والتقدير : أمثل أهل الجنة ، كمن هو خالد في النار ، وقوله : (فِيها أَنْهارٌ) إما حال من (الْجَنَّةِ ،) أو خبر لمبتدأ محذوف ، أي هي (فِيها أَنْهارٌ) وقيل غير ذلك. قوله : (غَيْرِ آسِنٍ) (بالمد والقصر) أي وهما قراءتان سبعيتان. قوله : (كضارب) أي ففعله أسن يأسن ، كضرب يضرب ، وقوله : (وحذر) أي ففعله أسن يأسن ، كحذر يحذر.
قوله : (لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ) أي فلا يعود حامضا ، ولا مكروه الطعم. قوله : (لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) أي ليس فيها حموضة ولا مرارة ، ولم تدنسها الأرجل بالدوس ، ولا الأيدي بالعصر ، وليس في شربها ذاهب عقل ، بل هي لمجرد الالتذاذ. إن قلت : لم لم يقل في جانب اللبن لم يتغير طعمه للطاعمين ، وفي العسل مصفى للناظرين؟ أجيب : بأن اللذة تختلف باختلاف الأشخاص ، فرب طعام يلتذ به شخص ويعافه الآخر ، فلذا قال (لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) بأسرهم ، ولأن الخمر كريهة الطعم في الدنيا فقال (لَذَّةٍ) أي ليس في خمر الآخرة كراهة طعم ، وأما الطعم واللون فلا يختلفان باختلاف الناس ، فلم يكن للتصريح بالتعميم مزيد فائدة. قوله : (لذيذة) أشار بذلك لدفع ما قيل إن (لَذَّةٍ) مصدر بمعنى الالتذاذ ، فلا يصح وصف الخمر به ، لكونها اسم عين. فأجاب المفسر بأنها تؤول بالمشتق على حد : زيد عدل. قوله : (مِنْ عَسَلٍ