جواب إذا (فَهَلْ عَسَيْتُمْ) بكسر السين وفتحها ، وفيه التفات عن الغيبة إلى الخطاب أي لعلكم (إِنْ تَوَلَّيْتُمْ) أعرضتم عن الإيمان (أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) (٢٢) أي تعودوا إلى أمر الجاهلية من البغي والقتال (أُولئِكَ) أي المفسدون (الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ) عن استماع الحق (وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) (٢٣) عن طريق الهدى (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) فيعرفون الحق (أَمْ) بل (عَلى قُلُوبٍ) لهم (أَقْفالُها) (٢٤) فلا يفهمونه (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا) بالنفاق (عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ) أي زين (لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ) (٢٥) بضم أوّله وبفتحه واللام ، والمملي الشيطان بإرادته تعالى فهو المضل لهم (ذلِكَ) أي إضلالهم (بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ) أي للمشركين (سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ) أي المعاونة على عداوة
____________________________________
أي مع جوابها. قوله : (بكسر السين وفتحها) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (وفيه التفات) أي لتأكيد التوبيخ. قوله : (أي لعلكم) الخ ، تفسير لعسى ، ولم يذكر تفسير الاستفهام وهو التقرير ، والمعنى : قروا بأنه يتوقع منكم إن توليتم الخ ، والتوقع في الآية جار على لسان من يشاهد حرصهم على الدنيا وتفريطهم في الدين ، لا لله لأنه هو الخالق لهم ، العالم بأحوالهم. قوله : (أعرضتم عن الإيمان) تفسير للتولي ، وقيل : معناه تأمرتم وتوليتم أمر الأمة. قوله : (أَنْ تُفْسِدُوا) خبر عسى ، والشرط معترض بينهما ، وجوابه محذوف لدلالة (فَهَلْ عَسَيْتُمْ) عليه.
قوله : (أُولئِكَ) مبتدأ خبره. قوله : (الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ.) قوله : (فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) أي فلا يهتدون إلى سبيل الرشاد. قوله : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) أي يتفكرون في معانيه فيهتدون ؛ وهذه الآية لتقرير ما قبلها كأنه قال : أولئك الذين لعنهم الله ، أي أبعدهم عنه ، فجعلهم لا يسمعون النصيحة ، ولا يبصرون طريقة الإسلام ، فتسبب عن ذلك كونهم لا يتدبرون القرآن. قوله : (أَمْ عَلى قُلُوبٍ) الخ (أَمْ) منقطعة بمعنى بل ، وهو انتقال من توبيخهم على عدم التدبر إلى توبيخهم ، بكون قلوبهم مقفلة ، لا تقبل التدبر والتفكر. قوله : (لهم) صفة لقلوب.
قوله : (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ) أي رجعوا إلى ما كانوا عليه من الكفر ، وهم المنافقون الموصوفون بما تقدم ، دل عليه قوله : (بالنفاق) وقيل هم اليهود ، وقيل أهل الكتابين ، داموا على الكفر به عليهالسلام ، بعد ما وجدوا نعته في كتابهم. قوله : (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى) أي الطريق القويم بالأدلة والحجج الظاهرة. قوله : (بضم أوله) أي وكسر ثالثه وفتح الياء ، والجار والمجرور نائب الفاعل ، وقوله : (وبفتحه واللام) أي مبنيا للفاعل ، والفاعل ضمير يعود على (الشَّيْطانُ) وهما قراءتان سبعيتان. قوله : (والمملي الشيطان) الخ ، جواب عن سؤال مقدر تقديره الإملاء ، معناه الإمهال. وهو لا يكون إلا من الله ، لأنه الفاعل المختار ، فكيف ينسب للشيطان؟ فأجاب : بأن المملي حقيقة الله ، وأسند للشيطان باعتبار أنه جار على يديه ، لأنه يوسوس لهم سعة الأجل. قوله : (أي للمشركين) أي والقائل هم اليهود أو المنافقون ، كما حكى الله عنهم ذلك في سورة الحشر بقوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا) الآيات.
قوله : (سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ) أي في بعض ما تأمروننا به ، كالقعود عن الجهاد ، وتثبيط